أنا ونفسي وذاتي.. أعظم قصة حب في حياتي

أحدث المقالات

شارك مع من تحب

كتبت: نتالي خلف، مستشارة صحة شمولية

 

“علينا الابتعاد عن الأنانيّة، والتفكير في الآخرين قبل أنفسنا”، إنها إحدى العبارات التي نشأ الكثير منّا على سماعها، وعلى الرغم من كونها نصيحة هامّة، إلا إنني اليوم أقول علينا أن نكون أنانييّن ونفكّر في أنفسنا أولًا

 

قد تبدو فكرة كن أنانيًّا للوهلة الأولى غريبةً، لكنني سأشرح ما المقصود منها؛ حيث يتعلمنا منذ الطفولة مجموعةً من القيم والأخلاق الحميدة، وهي تتضمّن التفكير في الآخرين قبل أنفسنا، وتقديم يد العون لهم بشكلٍ دائم، ودعمهم عند الحاجة، وتجنّب الأنانيّة والحسد والسلبيّة، وعلى الرغم من أن هذه الصفات رائعة، إلا إن ذلك في العالم المثالي، وليس في الحياة الواقعيّة، أو بما يؤثّر على مشاعرنا وسعادتنا

 

التوازن بين مراعاة الذات والتخلّي عنها

منذ صغرنا، يحاول أهلنا تنشئتنا على أفضل الأخلاقيّات، مثل معاملة الآخرين كما نحب أن يعاملونا، لكن على مرّ الأجيال، لم تُكرّس مساحة كافية لحب الذات، بل غالبًا ما يُنظر إلى ذلك باستهجان وكونه تصرفًا أنانيًّا

 

“أرجو أن نكون أنانيين ونفكّر في أنفسنا أولًا”

إلا إنني أقول لكم، أن كل شيٍ يعتمد على التوازن؛ حيث إن تقديم الكثير من الحب للآخرين قد يكون خانقًا ومسيطرًا، بينما القليل منه قد يزرع شعورًا بالإهمال والهجران، وفي ذات الوقت فإن الأنانيّة المفرطة تؤدي إلى الألم والمعاناة، بينما قلة مراعاة الذات تؤدي إلى التخلي عن النفس والاستياء

 

حب الذات لا يولد معنا، بل هو مهارة نتعلّمها ونصقلها خلال رحلة حياتنا، وقد كانت من أصعب الدروس التي تعلمتها شخصيًا، لكن مع تحويل جزءٍ من الحب الذي كنت أمنحه للآخرين إلى نفسي، فقد تغيرت الأمور كليًّا؛ فعلى مدار سنواتٍ سابقة خنت ثقي بنفسي وبعتها بحثًا عن القبول والحب من الآخرين، ثم ألقيت اللوم على الحياة وعلى الآخرين بسبب علاقاتي الفاشلة وبؤسي

 

نبحث جميعًا عن الحب طوال حياتنا؛ ففي مرحلة الطفولة، نفعل ما يمكننا فعله لنحصل على قبول ومحبة أهلنا وعائلتنا، وفي مرحلة المراهقة، نحاول كسب قبول صديقاتنا وأصدقائنا، الأمر الذي نراه في تلك الفترة بوابةً نحو المجتمع الأكبر، وفي مرحلةٍ متقدمة، نبذل قصارى جهدنا لكسب قبول مجتمع العمل والصداقة وشريك الحياة، وتستمر الدورة على هذا النحو

 

لو تأملنا للحظة في أنماط معيّنة في حياتنا، سنجد أوقاتًا قمنا فيها بالعديد من الأمور التي لم نكن نرغب بها، أو قلنا “نعم” عندما أردنا قول “لا”، والعكس صحيح، وذلك فقط للحصول على القبول والموافقة والحب، وعادةً ما نستمر في ذلك على مدار حياتنا، وبالتالي فإن العديد من هذه القرارات والأفعال لا تتوافق مع رغباتنا الحقيقية، إلا إننا نختار أن نخالف رغباتنا الداخلية لأن الاهتمام بأنفسنا يُنظر إليه كأمر أناني وغير محبب، وكلما تقدمنا في العمر، ازداد شعورنا بالالتزام تجاه الآخرين، وهذا بدوره يولّد التعاسة والتوتر والاستياء والغضب

 

القبول: أساس العلاقات المتينة

كثيرًا ما نبني علاقاتنا على أسس هشّة، كالحاجة الملحّة لتقبّل العائلة والأصدقاء لنا، الأمر الذي يجعلنا في العديد من الأحيان نتغاضى عن قيمنا الأساسيّة التي نعتمد عليها لاكتفاء ذواتنا؛ حيث علينا في الأساس أن نكون مكتملين من الداخل، ليكون أي شيءٍ أو شخص آخر إضافةً لطيفةً لحياتنا

 

“أحيانًا تقول نعم بدل لا، و لا بدل نعم للحصول على الحب والقبول”

التقبّل الحقيقي للآخرين يبدأ بتقبّلنا لأنفسنا، وعندما نتعلم مسامحة الذات يمكننا مسامحة الآخرين، وبالتالي فإن حبنا لأنفسنا بشكل كامل، يساعدنا في حب الآخرين كما هم، وليس وفقًا للصورة التي أذهاننا عنهم

 

ففي الكثير من الأحيان تعترض حياتنا علاقات لا تتوافق مع ذواتنا الحقيقية، فقد نرتبط بشركاء بدافع الضغط الاجتماعي أو الديني أو العائلي، كما قد نفعل بعض الأمور التي لا تتوافق مع قناعاتنا الداخلية، وإنما بدافع الرغبة في الحصول على مقابل من ذلك، إلا إننا لم نتعلم عند تعاملنا مع الآخرين أو مع أنفسنا أن نتأمل صورة الشخص في المرآة ونتواصل معه، ونتعرف على ماذا يريد، وما الذي يحقق له السعادة؛ حينها سندرك أن العلاقة الأهم في حياتنا هي علاقتنا مع ذاتنا

 

“لا تكتمل رحلة حب الذات .. إلا بالتأمل في أعماق أنفسنا”

حب الذات يعني تخصيص وقت للنظر إلى أعماقنا، نتعلم فيه كيف نتواصل مع الطفل الذي لا يزال يعيش بداخلنا، ذلك الطفل اليائس الذي يتوق للحب والاهتمام والقبول، وبمجرد أن نرى أنفسنا كأفضل صديقٍ لنا، ونتعلم أن نحب ذواتنا مع القبول الكامل لما نحن عليه، ونسامح أنفسنا على ما نراه خطأً، حينها فقط يبقى الحب والفرح بداخلنا، كما أن بمجرد أن نصبح نحن أولويتنا الأولى، يصبح حب الآخرين وقبولهم وموافقتهم إضافةً رائعة لحياتنا، لا حاجة أساسية

 

 يمكنكم التواصل مع نتالي خلف عبر الإيميل التالي: nathalie@taabeer-me.com

Nakahat Ailiyeh