“قناع بلون السماء”.. تحفة أدبية من خلف الأسوار

أحدث المقالات

شارك مع من تحب

مراجعة: إيمان ملحس، نادي إنّهنّ يقرأن إنّهنّ يسعين نحو الحياة

xx

حازت رواية“قناع بلون السماء”على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2024، وقد استوقني ذلك لقرائتها، خاصةً بعد أن علمت أن المؤلف باسم خندقجي أسيرٌ في سجون الاحتلال منذ 21 عامًا وحتى اليوم، ولكن كنت متخوفةً من ذلك، ظنًّا مني بأنها تتكلّم عن أدب السجون والمعاناة والتعذيب الذي يتعرّض له الأسرى.

xx

نور: البحث عن الهويّة المفقودة

اختار خندقجي أن يأخذنا إلى أفقٍ أوسع من السجون، ليروي لنا حكاية الإنسان الذي يعيش تحت الاحتلال، والمعاناة اليوميّة التي يتعرّض لها سكان المخيّمات في العمل وعدم حرية التنقل من مدينة لأخرى والفقر، وقلة الفرص لتغيير الواقع.

xx

وينقلنا الكاتب في روايته “قناع بلون السماء” إلى رحلة نور الشهدي، الذي يعيش في المخيم مع والده وزوجة أبيه؛ حيث توفّيت أمه خلال ولادته، أمّا والده، فهو مناضلٌ اعتقل لعدة مرات، وكان يخرج من السجون محبطًا وقليل الكلام، وأصبح يحصل على قوت يومه من خلال عربةٍ يقوم بجرّها ليبيع منها الشاي والقهوة.

xx

مريم المجدلية

أنهى نور دراسته في علم الآثار، وأصبح جل اهتمامه البحث والاستقصاء لإثبات السيرة التاريخية لمريم المجدليّة التي بنظره لم تستوفي حقّها في التاريخ، نظرًا لعدم وجود الأدلة الكافية عنها، أو أنّ هذه الأدلة قد أزيلت من كتب التاريخ، فركّز اهتمامه على كتابة روايةٍ عنها إلا إنّ صديقه مراد، القابع في الأسر، استخفّ به وبجهده البحثيّ والعبثيّ، من وجهة نظره؛ حيث كان يرى أنّ على نور العمل على دعم أهالي حي الشيخ جراح في القدس وإثبات ملكيّتهم لأرضهم، بدلًا من عبث البحث عن مريم المجدلية.

xx

مع اعتقال مراد، يصبح نور وحيدًا، ويبدأ في مخاطبة صديقه عبر تسجيلات صوتية، مستكملًا حواراتهما التي بدأت قبل اعتقاله.

xx

أثر منسي

واستمرّ نور أيضًا في البحث عن إجابات أسئلته: هل مريم المجدليّة وتاريخها المنسي له ارتباط بما يحدث في فلسطين حاليًّا من هدم قرى واستبدالها بمستوطنات ومحاولة طمس الهوية الفلسطينيّة؟ وهل ستصبح فلسطين أثرًا منسيًّا يصعب الحصول على معلومات عنها؟ أم ستبقى رغم كل المصاعب والعراقيل؟

xx

نور يرتدي قناعًا للبحث عن وجهه

لم يكن لنور منزل عائلي، ونشأ وحيدًا دون ملامح واضحة، وكان يلقّب بـ “السكناجي”، وهي تعريب لكلمة “الاشكنازي”، وذلك لملامحه الأوروبيّة، وبذلك أصبح نور بلا وجه يسعى للحصول على قناع يخفي به ملامحه، وهكذا، عندما وجد نور قناعًا في معطف اشتراه من سوق الملابس المستعملة يحمل هوية زرقاء باسم “أورشابيرا”، بدأ في ارتداء هذا القناع، ساعيًا لفهم العقل الصهيوني، ومن سخرية القدر، فإن اسم “أور” في العربية يعني “النور”.

xx

تلاعب بالتاريخ

وقد ساعده الحصول على هذه الهوية إلى السفر إلى القدس للعمل كدليلٍ سياحيّ، وهناك تعرّف على كيفيّة التلاعب بتاريخ المنطقة وما يتم تقديمه للسياح الأجانب، ثم أُتيحت له فرصة الالتحاق بمعهد أولبرات للآثار للتنقيب عن آثار الفيلق الروماني السادس جنوب تل مجدّو، وذلك بالتعاون مع سلطة الآثار“الإسرائيليّة”، وكانت إقامة هذه البعثة في منطقة “مشمار هعيمق”، التي أقيمت على أنقاض قرية أبو شوشة لمدة شهر.

xx

حوارات داخليّة مع أور

خلال البعثة، يبدأ نور حوارات داخلية مع “أور”، الاسم الموجود على الهوية، والذي يمثل الغريم الذي سرق منه أرضه وحياته؛ حيث يواجه نور صراعًا داخليًا بين ظالم له كافة الحقوق ومظلوم سلبت منه كافة الحقوق.

xx

في إحدى هذه الحوارات يقول “أور” لنور: “أنا ولدت من رحم صهيونيتك ومن النكبة التي ألحقتها بي. لذا، أنا جزء منك وأنت جزء مني”، ويُدرك نور صعوبة الالتقاء مع “أور”، حيث لكل منهما قناعته الخاصة بحقه في الأرض؛ حيث استغلت الحركة الصهيونية “الهولوكوست” لتحويل الصراع الى صراعٍ وجوديٍّ وتطهيرٍ عرقيّ لأصحاب الارض، فكانت النتيجة النهائيّة لهذا الحوار أن يقول أور لنور، عندما طلب منه أن ينظر اليه كإنسان: “ أخشى من اختفائي أنا، إذا أصبحت أنت إنسانًا.”

xx

نقطة تحوّل في حياة نور

ثم التحق نور في رحلة التنقيب، وهناك التقى بسماء إسماعيل الحيفاوية التي ظلت بأرضها بعد النكبة، وكاد أن يخلع القناع عندما رآها، وفي ذات الوقت التقى بفتاةٍ صهيونيّة مشاركةٍ في البعثة تدعى أيالا، وهي من اليهود المزراحيم الشرقيين والتي تعود أصولها إلى حلب، والتي أُعجبت به وحاولت التقرب منه، وكانت دائمًا ما تظهر عداوتها لسماء الحيفاويّة.

xx

نهاية رحلة البحث، وعودة إلى الهوية

لم يحصل نور على مبتغاه من البعثة، وهو العثور على صندوق مريم المجدلية، لكنه في لقاء سماء، يجد نفسه قادرًا على خلع القناع، ثمّ اعترف نور لسماء بما فعله، فردّت عليه: “ أنتظر عمرًا كاملًا للخلاص من هذه الهوية، وأنت خسرت عمرك كله لترتدي هذا القناع”.

xx

في النهاية، يُسجّل نور رسالةً لصديقه مراد، مُعلنًا عن ظلام آفاق روايته عن مريم المجدلية، وظهور“تجليّات السماء”، وتنتهي الرواية برجوعه إلى رام الله بعد إلغاء البعثة، ويعيد برمجة هاتفه من العبريّة إلى العربيّة.

xx

رواية غنيّة بالدلالات

تُعدّ “ قناع بلون السماء” روايةً غنيةً بالدلالات والرموز؛ حيث ينقل لنا الكاتب صورة الإنسان الفلسطيني وما يعانيه من خيبات وجوديّة في ظل الاحتلال، دون الحاجة إلى سرديّات عن ممارسات الاحتلال الوحشيّة، وهي تعد جزءًا من ثلاثيّةٍ يعمل على كتابتها: جزءها الثاني “سادن المحرقة” وجزء ثالث هو “ شياطين مريم المجدلية”.   

xx

يمكنكم التواصل مع إيمان ملحس على emanamalhas@gmail.com

Nakahat Ailiyeh