التوحد منحة وليس محنة

أحدث المقالات

شارك مع من تحب

فهم نقاط القوة والمنح التي تأتي مع التوحد

كتبت: شيرين سلفيتي،

طالبة طب متدربة لدى المجلة

من الضروري أن يتذكر الأهالي والمعلمون الجوانب الإيجابية ونقاط القوة التي تأتي مع التوحد، هذا ما تقوله اختصاصية العلاج الوظيفي والتربية الخاصة،  د. وداد عقروق.

ونتحدث هذا الشهر بصراحة حول المفاهيم الخاطئة الشائعة، والطرائق العديدة التي يمكننا فيها أن نتعلم من الأشخاص المشخصين بالتوحد.

نكهات عائلية: ما خصائص التوحد التي لا بد لنا أن نعرفها؟

عقروق: هناك خصائص عديدة  أهمها التحديات في التفاعل   الاجتماعي، مشاكل التواصل  واللغة، والاضطرابات السلوكية، والاهتمامات الضيقة، والأفعال أو السلوكيات النمطية المتكررة. وقد تكون السلوكيات ناتجة عن أسلوب الطفل في  تنظيم وفهم  وتحليل المعلومات الحسية ، فقد يرون أو يشمون أو يشعرون بأمور قد لا نراها أو نشمها أو نشعر بها نحن، وذلك يسبب ضغطًا على الحواس، ونتيجة لذلك قد يقوم الطفل بتغطية أذنيه مثلا أو إظهار الانزعاج في الأماكن المزدحمة، وقد يؤدي أحيانا إلى الانهيار.

أمر آخر مهم هو اللعب الرمزي الذي يبدأ في سن مبكر، فيبدأ الأطفال بتخيل أمور مختلفة أثناء اللعب، ويفهمون وجهات نظر الآخرين، ولكن ذلك يعتبر تحديٍّا كبيرًا لأطفال التوحد.

نكهات عائلية: ما هي بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالتوحد؟

عقروق: عندما لا يلعب الأطفال المشخصون بالتوحد أو يتفاعلون مع الآخرين، فلا يعني ذلك أنهم لا يحبون التواصل والتفاعل الاجتماعي، ولكنهم يفتقرون لمهارات التواصل، وفي حالات كثيرة يكونون قد حاولوا ذلك سابقا  وفشلوا. فهم من المؤكد يحبون الوجود بالقرب من الآخرين ولكنهم لا يعرفون أساسيات التواصل، فقد لا يعرفون كيف يتواصلون مع الآخرين، وكيف يبدأون حوارًا وقد يواجهون صعوبة في فهم لغة الجسد وتعابير الوجه.

كما أنهم قد يواجهون صعوبة في معالجة اللغة، ولكن إذا حاولنا التواصل معهم بلغة مبسطة  فسيتجاوبون. إن الأطفال المشخصين بالتوحد صادقون للغاية، فلا يغشون، ولا يطلقون الأحكام على الآخرين، لأنهم لا يملكون المهارات اللازمة لذلك.

نكهات عائلية: بأية طرائق يتوجب علينا الاستمرار بتحسين تصرفاتنا وتعاملاتنا وعلاجنا كدولة تجاه الأشخاص المشخصين بالتوحد؟

عقروق: لقد قطعنا شوطًا كبيرًا وأصبح الناس أكثر تقبلًا، ولكن ما زال أمامنا ا الكثير، فعلينا أن نرى الأشخاص ذوي التحديات الخاصة بالطريقة نفسها التي نرى فيها أنفسنا كأشخاص بشخصيات وألوان وأجناس متعددة، ففي كل مجتمع هناك مستويات متعددة من القدرات. علينا أن نتقبل أن التوحد قد يظهر في أي من عائلاتنا، فكثيرًا ما نفكر بأن الإعاقات أمر منفصل وبعيد عنا، بينما في الحقيقة من الممكن أن تظهر في أي عائلة، وذلك شكل آخر من التنوع لا بد أن نتقبله، فتشخيص التوحد يعني أن الشخص فريد  ويتمتع بقدرات مختلفة.

نكهات عائلية: ما نقاط القوة الشائعة التي تلاحظينها في الأشخاص المشخصين بالتوحد؟

عقروق: بالعادة يتمتعون بقدرات بصرية عالية، إذا أحسن استغلالها وتطويرها تساعدهم في التعلم والعمل لاحقا. كما أنهم عندما يهتمون بأمر ما يصبحون شغوفين به حتى يصبحوا خبراء ملمين بكافة جوانبه. وهناك الكثير من الأمثلة حول العالم لأشخاص حولوا هذه الاهتمامات إلى طرائق منتجة، وفي بعض الأحيان وجدوا توظيفًا رائعًا لها، أو سعوا لتحصيل مراتب علمية وغيرها.

إن اهتمامهم الكبير في مجال ما يدفعهم للمواظبة على تعلم المزيد مما يجعلهم منتجين وعاملين شغوفين في مجالاتهم.

نكهات عائلية: كيف يمكن للأهل والمعلمين وغيرهم مساعدة الأفراد على إظهار نقاط قوتهم؟

عقروق: من الضروري أن يتذكر الأهالي والمعلمون المفاهيم الإيجابية التي تأتي مع التوحد، ولا بد أن يكون الأهالي فعالين في مساعدة أطفالهم على التركيز على نقاط قوتهم وتشكيلها لتصبح أنشطة يمكن بناؤها لاحقًا خلال حياتهم، كما أن عليهم أن يتذكروا دومًا أن الأشخاص المشخصين بالتوحد قد يكون لديهم شغف في الدراما أو الفنون أو الموسيقى، وعلى هذه القدرات أن تُصقل.

نكهات عائلية: هل شهدت عائلة تعلمت ونمت نتيجة لوجود فرد مشخص بالتوحد فيها؟

عقروق: أول ما نتعلمه هو التقبل والحب غير المشروط، فحالما نواجه موقفًا كهذا لا بد أن نلقي بكل الاعتبارات الخاطئة ونرى الأشخاص على ما هم عليه ونتقبل ذلك ونمضي في حياتنا،.أحد الأمور التي شاهدتها كانت أن العائلات الذين بينهم فرد من ذوي التحديات، يصبحون أقرب، ويكون الأشقاء أكثر تسامحًا وتقبلًا ويتميزون بين زملاء صفهم بعقولهم المنفتحة، فتجربة وجود طفلة أو طفل في العائلة من ذوي التحديات تثري قيمهم وتغير وجهة نظرهم على مستويات عديدة، فتصبح هذه العائلات بشكل عام أكثر تقبلًا ورعاية واهتمامًا تجاه الآخرين، ويصبحون أقوى كعائلة، بالرغم من الضغوطات التي قد  يواجهونها.

نكهات عائلية: ماذا يمكن للمعلمين أن يتعلموا من الأطفال المشخصين  بالتوحد الذين يعملون معهم؟

عقروق: المعلمون وجميع العاملين في هذا المجال تتغير وجهات نظرهم بالتدريج ومع الوقت، فنتعلم نحن أيضًا تقبل الآخرين على ما هم عليه، وأن نبحث عن قدراتهم ونبني عليها لمساعدتهم على التقدم، كما نتعلم ألا نصنف الأطفال وألا نفترض أن لهم حدودًا للتعلم، فكثيرون منا تفاجأوا بما يمكن للأطفال المشخصين بالتوحد أن يفعلوا، وهذا علمنا أن لا نضع سقفا لتوقعاتنا.

نكهات عائلية: ما النصيحة التي تقدمينها للأهالي الذين يريدون بناء صداقة مع أطفالهم المشخصين  أو غير المصابين بالتوحد؟

عقروق:  يوجد في بعض المجتمعات مجموعات دعم لوالدي وأشقاء الأشخاص ذوي التحديات، الاشتراك بمثل هذه المجموعات قد يعود بفائدة كبيرة على الأسرة. كما أننا نشجع الأهالي على قضاء الوقت مع أطفالهم الآخرين، وذلك قد يتطلب التخطيط المسبق لطلب المساعدة من شخص ما لرعاية الطفلة أو الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة  ليتمكنوا من قضاء وقت خاص مع بقية أطفالهم. ومع تقدم الأشقاء بالعمر الطلب من الأشقاء أن يشاركوا برعاية أخيهم أو أختهم يشعرهم بأن لهم دورًا إيجابيًا، كما  ونشجع الوالدين على أن يتحدثوا مع أطفالهم بانفتاح فذلك سيخلق روحًا إيجابية في المنزل.

نكهات عائلية: ماذا يمكن للأقران التعلم من الأشخاص المشخصين  بالتوحد؟

عقروق:  يعطينا الأفراد المشخصين بالتوحد وغيرها من التحديات الفرصة لتعلم مفهوم اختلاف الناس، وأننا لا بد أن نراهم على ما هم عليه ونقدر قيمتهم، فهناك جمال في حقيقة أننا جميعًا لدينا قدرات مختلفة تجعلنا مميزين، فقدراتنا أو تحدياتنا لا تعرّفنا، كما أننا يمكننا تعلم الكثير من نقاط قوتهم ومن التحدث معهم عما يعرفونه، فمثلًا إذا كان هناك طفل مهتم بالنباتات فسيكون لديه الكثير من المعلومات ليشاركها مع زملائه في الصف.

نكهات عائلية: ماذا يمكن للمجتمع التعلم من الأشخاص المشخصين بالتوحد؟

عقروق:  يمكن للجميع تعلم التقبل، وجمال التنوع، وأهمية تقدير حياة الناس مهما اختلفت قدراتهم الفردية، كما أننا نشهد تزايد في أعداد الأشخاص ذوي التحديات ومنهم المشخصون بالتوحد  يعملون الآن وأصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعنا.  هناك مصادر متاحة في المجتمع تقدم لهم التدريب  على العمل لتزويدهم بالمهارات اللازمة لإتقان العمل، ونجد أن من يعملون مع الأشخاص ذوي التحديات يثنون على العمل الجاد والمواظبة التي يظهرونها، ويقدرون سعيهم لعيش حياة منتجة وسعيدة.    

هل تعلمون؟

أن التوحد يتراوح بين أن يكون الأشخاص إما غير قادرين على التعبير اللفظي ولديهم معدل ذكاء منخفض أو أشخاصًا بمعدل ذكاء مرتفع ولديهم قدرات لفظية جيدة، والقاسم المشترك بينهم جميعًا هو عنصر التفاعل الاجتماعي

هل تعلمون الفرق بين الإنهيار ونوبة الغضب؟

يمر الكثيرون من المشخصين بالتوحد بنوبات انهيار ليست كنوبات الغضب (وهو غضب يعتري الأطفال عندما يريدون الحصول على شيء ما)، فتوضح د. عقروق: “عندما يمر الأطفال المصابون بالتوحد بنوبة انهيار، فإن ذلك لا يعني أنهم يسيئون التصرف، وهم لا يحاولون إزعاجكم، ولكنها طريقتهم في التواصل معنا فهم يشعرون بضغوطات هائلة مما يشعرون به أو أن الموقف الاجتماعي يتجاوز قدراتهم، فإذا رأيتموهم يضربون بأيديهم أو ينظرون باهتمام إلى شيء ما، فهي طريقتهم في البحث عن وضعية مريحة لهم عند تعرضهم للضغوطات، كما نفعل نحن حين نعض شفاهنا أو نهز أقدامنا عندما نتوتر، فأرجو منكم أن تتقبلوا ذلك كطريقة تواصل وألا تتعاملوا معهم بطريقة مختلفة بسبب ذلك”.

Nakahat Ailiyeh