الرضاعة الطبيعية في الكوارث

أحدث المقالات

شارك مع من تحب

الرضاعة الطبيعية في الكوارث

كتبت: يافا عجوة، اختصاصية رضاعة طبيعية

 

 

يُحتفل في كل عام خلال الفترة من 1 إلى 7 آب بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية من أجل التشجيع على ممارستها، ورفع مستوى الوعي حول أهميتها وصولاً لتحسين صحة الرضّع بجميع أنحاء العالم. لذلك، أسلط الضوء هذا الشهر على أهمية الرضاعة الطبيعية في الأزمات والكوارث.

 

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يتوفى كل عام أكثر من 800 ألف طفلة وطفل لأنهم لم يرضعوا رضاعة طبيعية، أغلبهم إبان الأزمات والكوارث، حيث يكونون أكثر عرضة لمخاطر انعدام الأمن الغذائي والمياه الملوثة وسوء الصرف الصحي.

على الرغم من المساعدات بمليارات الدولارات، وكل الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية لتحسين حياة المتضررين، إلا أن الاحتياجات قد ظلت بازدياد، والأزمات والصرعات والكوارث الطبيعية مستمرة. الحياة اليومية في مخيمات اللجوء أو النزوح، رغم كل الجهود لتوفير أفضل المعايير، تُعتبر تحدياً؛ فتلبية أبسط الاحتياجات الأساسية مثل توفير الطعام ومياه الشرب والاستحمام والغسيل واستخدام المرحاض، وحتى النوم يكون تحدياً. نستذكر هنا التحدي الأكبر للأمهات والآباء، وهو كيف يمكن الحفاظ على نظافة الأطفال وتغذيتهم في بيئة الحروب والكوارث؟

لماذا تعتبر الرضاعة الطبيعية أثناء الازمات والكوارث مهمة؟

حين تواجه الأسر في المخيمات أو المناطق المحاصرة أو المنكوبة انقطاع للكهرباء أو نقص المياه أو كلاهما أو حتى الإخلاء المفاجئ من المنازل، تعلم الأم المرضع أنها لا تحتاج إلى أي معدات لإطعام الرضع؛ ويجب أن تطمئن وزوجها كون طعام الرضع متوفر في كل وقت وكل مكان، كما أنه يعمل على وقايتهم من البيئة الملوثة والامراض التي يتعرضون لها في هذه الظروف الصعبة. يضاف إلى كل ذلك، أن الرضاعة الطبيعية تحمي الأم من نزيف ما بعد الولادة وتُباعد ما بين الأحمال في ظل غياب الرعاية الصحية المتكاملة وفي ذات الوقت تقوي الأمهات جسديًا ونفسيًا.

إعداد الحليب الصناعي يحتاج إلى مياه نظيفة ووقود للتعقيم والتسخين ومساحة نظيفة لتحضيره، ومكان لتخزين عبواته ومصدر مالي ثابت لتوفيره، وتحقيق هذه الأمور شبه مستحيلة في الأزمات والكوارث. على العكس من الرضاعة الطبيعية، تزيد الرضاعة الصناعية بشكل كبير من فرص الإصابة بالعدوى؛ لأنها لا تحمي الأطفال من الأمراض بل يمكن اعتبارها ناقلاً للأمراض من خلال زجاجات الإرضاع كمصدر سهل التلوث.

قالت لي أحدى الأمهات أن مرافق المياه والطهي في المناطق المحاصرة محدودة:

“إنني أتقاسم مع جارتي زجاجة الحليب الوحيدة حتى أحصل على ماء ساخن من الجيران لتحضير حليب طفلي، حيث يكون منها الماء ومني الحليب والزجاجة، وللتوفير في استخدام الحليب الصناعي؛ فإنني غالباً ما كنت أضطر لوضع معلقة واحدة من مسحوق الحليب المجفف بدل أربعة لجعله يدوم لفترة أطول تكفي طفلنا وأطفال جارتي”.

دعم الرضاعة الطبيعية

عملت مع منظمات إنسانية في مشاريع دعم الرضاعة الطبيعية في المخيمات وفي المناطق المحاصرة في سوريا من خلال أساليب الاتصال المبتكرة والإنترنت. كنت أسمع الكثير من القصص عن معاناة الأمهات اللاتي فقدن أحبائهن، ويعشن بلا مأوى ويكافحن من أجل الحصول على الغذاء لعائلاتهن. وبقدر ما كانت هذه القصص مؤلمة وفاجعة وصادمة، إلا أنها كانت مُلهمة وتشير إلى قوة الأمهات واصرارهن على إعطاء الأفضل لأطفالهن؛ فمنهن من عملن المستحيل وقطعن المسافات رغم قسوة الظروف لإكمال الإرضاع الطبيعي، ومنهن من حاربن كل المعتقدات الخاطئة وطردن كل أشكال الخوف للحفاظ على حياة أطفالهن.

المرضعات وتبادل الحليب

في المناطق المحاصرة والمخيمات، تتطوع الأمهات لإرضاع الأطفال الأيتام والأطفال الذين لم تستطع أمهاتهم إرضاعهم أو يتشاركن حليبهن. في أحد مراكز دعم الرضاعة التي عملت بها، كانت هناك متطوعتين مميزتين مصدرًا للأمل والحياة والسعادة واحدة اسمها حياة، وهي أم لطفلين، وسعاد أم لطفلة؛ حيث كانتا السبب في الحفاظ على حياة الكثير من الأطفال في مثل هذه الظروف. كل يوم تأتي حياة وسعاد لإرضاع أي أطفال محتاجين وأيضًا بيوتهما كانت مفتوحة لمساعدة أي أحد.

بعض الأفكار الخاطئة حول الرضاعة الطبيعية

  • الإجهاد والتوتر يوقف انتاج حليب الأم

جاءت أم وأطفالها الخمسة إلى إحدى جلسات التوعية، وكانت قلقة من عدم امتلاكها كمية كافية من الحليب لطفلها البالغ من العمر خمسة أشهر؛ حيث شعرت أن كمية الحليب قد انخفضت بعد الفرار من القتال العنيف في منطقتها. ومع ذلك، استمرت بالإرضاع وكانت صحة الطفل جيدة. عبرت الأم عن مخاوفها بأن حليبها قد فسد من الخوف، حيث أن الأقرباء أخبروها بأن حليبها غير جيد وأن عليها استخدام الحليب الصناعي. كانت ترغب فقط بسماع آراء ذوو خبرة ليقولوا لها «استمري»، وحسب كلامها، تساعدها الرضاعة الطبيعية هي وطفلها على الشعور بالهدوء. بالنسبة لبعض الأمهات، يمكن أن يؤدي التوتر الحاد إلى تقليل كمية الحليب بشكل مؤقت، ولكن الرضاعة لا تتوقف، والجلوس في منطقة هادئة وداعمة هي كل ما يلزم لإعادة حليب الأم.

  • الأم المصابة بسوء التغذية لا تستطيع الإرضاع

رهف أم هربت مع زوجها طفلهما من بعد هجمات على قريتها. تقول رهف «كان طفلنا جائعاً، ولم أتمكن من ارضاعه وشعرت أن حليبي قد فسد. لم أستطع فعل أي شيء لتخفيف آلام الجوع والخوف، كنت في حالة تعب شديد وأعاني من سوء التغذية». عندما وصلت رهف إلى مخيم النازحين، حصلت على معونة غذائية ومساعدة ودعم لتتمكن من ارضاع طفلهما. تضيف رهف «ليس من السهل الاستمرار في الرضاعة الطبيعية بعد خسارة كل شيء في الحياة، حيث أنني لم تتوقع أنني سأعيش يومًا آخر، ولكنني ههنا الآن مع طفلنا ولم أخسر قدرتي على إعطائه كل ما يحتاج من غذاء وهذا أعطاني معنى آخر للحياة». الحقيقة هي أن جسم الأم يستمر بتوفير الغذاء الصحيح للطفل معتمداً على مخزون جسدها.

  • بمجرد التوقف عن الرضاعة لا تستطيع الأم البدء بالرضاعة الطبيعية مرة أخرى

جاءت أم لطفلة عمرها ثلاثة شهور وأخبرتنا أنها توقفت عن الإرضاع عندما كان عمر طفلتها شهر، فقد كانت مريضة وحليبها قد فسد. ولكن عند دخول الحرب إلى منطقتها نزحت هي وعائلتها إلى منطقة مجاورة وأصبح الحليب الصناعي مكلف جداً وتضخم سعره ثلاثة أضعاف. عند وصول التبرعات كانت تضطر للذهاب في رحلة مدتها ثلاث ساعات بسبب حواجز التفتيش، ومن ثم الوقوف في الطابور مع أطفالهما لمدة ثلاث إلى أربع ساعات لأخذ تبرعات الطعام والتي في الغالب لا تحتوي على حليب أطفال. قالت لي: «انظري، دفعت عشرين دولاراً مقابل علبة حليب الأطفال هذه، كم أتمنى لو أني أكملت إرضاع ابنتنا». لحسن الحظ، تمكنت الأم من إيجاد الدعم وإعادة تحفيز الحليب وإرضاع طفلتها رضاعة طبيعية مطلقة. العبرة هنا أن جسم الأم يستطيع إعادة إدرار الحليب عند تحفيزه.

  • حليب الأم غير كافي لتغذية طفلها

أنجبت إحدى الأمهات في ليلة قصف شديد على قريتها السورية المحاصرة، فذهبت بعض الأمهات (مثقفات الرضاعة) الموجودات في مركز دعم الرضاعة لزيارتها ودعمها. كان عمر الطفلة 24 ساعة فقط، لم تبدأ الأم بالإرضاع بسبب عدم وجود خصوصية في الملجأ ولأنها اعتقدت أن حليبها لا يكفي حتى بلغت الطفلة عمر ثلاثة أيام وهي تتغذى على الماء والسكر وما تبقى من الحليب المجفف. مثل هذه الأفكار والمعتقدات التقليدية الخاطئة حول الرضاعة الطبيعية يمكن أن تكون مميتة للأطفال، حيث تنتج الأم حليبًا كافيًا لإطعام أطفالها بعد ولادتها مباشرة.

أُمٌّ تختار الأفضل لأطفالها

وسط هذه التحديات، كانت أميرة، وعمرها اثنان وعشرون عاماً، مصممة على تجاوز كل الحواجز ومنح طفلها بداية جيدة في الحياة، فعندما علمت أنها حامل، بدأت بالذهاب الى مركز دعم الرضاعة في القرية المجاورة لقريتها للتعلم عن الرضاعة الطبيعية رغم أنها تحتاج ساعتين من الوقت لتصل إلى المركز، الأمر الذي لم يمنعها من السعي للأفضل لطفلها.

كان الانضمام إلى مجموعات دعم الأمومة هو كل ما احتاجته أميرة، بالإضافة إلى المعلومات والنصائح التي تلقتها من العاملين والأمهات، وتم تشجيع أميرة على الولادة في المستشفى تحت اشراف موظفين مؤهلين يساعدونها على بدء الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة.

الاستعداد لحالات الطوارئ

أفضل استراتيجية لمواجهة الكوارث والأزمات هي الاستعداد لها. هناك الكثير من الأفكار الخاطئة التي تنتشر ما قبل الكوارث والأزمات، والتي يزداد خطرها عند حدوث الكارثة.

لذلك، فإن مساعدة الأهل على فهم الرضاعة الطبيعية هو أمر ضروري ومهم مثل التعليم المدرسي، فهذا التعليم يدعم جيلاً ويعدُّه لدعم الجيل القادم. بعيداً عن الكوارث نحن الآن بحاجة إلى أن نستعد لمستقبل أكثر صحة أكثر من أي وقت مضى. سواء كنتم استشاريي رضاعة طبيعية أو متطوعين في مجموعات دعم الرضاعة الطبيعية أو حتى أمهات تشاركن تجاربكن بالرضاعة مع الغير، فأنتم قادرون على مساعدة مجتمعكم للاستعداد لحالات الطوارئ. كونوا جزء من تحضير مجتمعكم للتأهب لحالات الطوارئ من خلال زيادة ثقافة المجتمع عن الرضاعة الطبيعية أو التطوع مع مجموعات دعم الرضاعة الطبيعية.

يمكنكم التواصل مع اختصاصية الرضاعة الطبيعية يافا عجوة على yafa_a_@hotmail.com

Nakahat Ailiyeh