القبول وحب الذات
,كتبت : نتالي خلف
مستشارة صحة شمولية
“أنا لست وليد الظروف إنما أنا نتاج خياراتي” . ربما قرأ الكثير منا أو سمع هذا القول لعالم النفس السويسري كارل يونغ ، ومثله من الأقوال التي تدلّ على أننا نحن من نتحمّل مسؤولية ظروفنا الحياتية إلى حدّ ما ، لكنني في مرحلة الشباب لم أكن أعي أو أتقبّل هذا المفهوم. كانت جلّ تساؤلاتي تتمحور حول : “كيف يمكن لهذا أن يحصل ؟”، و” ما سبب إصابتي بمتلازمة القولون العصبي (IBS)، أو ظهور حبّ الشباب على وجهي لمدة طويلة أو معاناتي من نزلات البرد والسعال المزمن لثلاثة أشهر على الأقلّ”
إستغرق الأمر تعرّضي لثلاث نوبات من الإكتئاب الحادّ قبل أن أتوصّل لفهم الأسباب الكامنة وراء هذه الأعراض!
” أنا لست وليد الظروف، إنما أنا نتاج خياراتي “
نقطة التحوّل
بينما كنت أتخبّط في داخلي ، جرفتني أفكاري إلى القاع ، فوجدت نفسي في مواجهة مع الحياة التي لم تكن تسير بشكل جيد بالنسبة لي.
كنت أتظاهر بالسعادة لكن في الواقع لم أكن على ما يرام ، ولم أدرك حينها مدى تأثير حالتي النفسية على تفاقم الأعراض المرضيّة التي كنت أشتكي منها
لكن لولا إنحداري إلى هذه المرحلة السوداوية لما تمكّنت من مواجهة الواقع أو تغييره
كنت أعتقد، حتى بلغت الـ 36 عامًا ، أن الأعراض التي أعاني منها هي مجرّد ” أمراض جسدية” دون أن يكون لدي أدنى فكرة أنها مرتبطة بمخاوفي ومشاعري السلبية ومنبثقة من نظرتي لنفسي وجذورها متأصّلة في عدم تقديري وحبّي لذاتي
لم أكن أدرك حينها أنّ كل هذه الأفكار ( أو بالأحرى الطاقة) السلبية ، تؤجّج المشاعر(أو الطاقة) في داخلي، فكنت أحاول التغاضي عنها وعدم مواجهتها ، بالتالي ساهمتُ بشكل أو بآخر بكبت هذه المشاعر ومنعتها من أن تتحرّر بشكل تلقائي من جسدي ، مما أدّى إلى عدم إنسياب الطاقة وأخذ مسارها الطبيعي فانعكست سلبًا على صحّتي واتّخذت شكل من أشكال الأمراض الجسدية
التمسّك بالحياة
حاولت التمسّك بالحياة وركوب سفينة النجاة علّني أستعيد مشاعر الفرح والسعادة أو أذق طعم الحياة من جديد. أدركت حينها أن أدوية علاج الإكتئاب التي كنت أتناولها لم تكن تعالج حالتي بل تخدعني لأصدّق أنّ كل مشاكلي وآلامي قد إندثرت
لم أكن مستعدّة بعد لمواجهة أو تحمّل أي شيء
بناء على تجربتي الشخصية ، فإنّ أدوية مضادات الإكتئاب ، التي واظبت عليها لمدة طويلة ، لم تحلّ أصل المشكلة بل أدّت إلى تخدير مشاعري السلبية، وقمع إنسياب الطاقة في جسدي كي أتمكّن من إدارة حياتي بشكل أفضل.
العواطف عبارة عن طاقة متحرّكة
قد يشكّل التعامل مع العواطف والتحكّم بها أمرًا صعبًا ، خاصة تلك المشاعر المزعجة كالحزن والخوف والغيرة والغضب. لكنّها موجودة بالفعل ولا مفرّ منها ، بالتالي علينا تقبّلها وعدم كبتها. فالعواطف عبارة عن طاقة متحرّكة، كلما حاولنا قمع هذه العواطف كلّما استمرّ شحنها وتوليد المزيد من الطاقات السلبية وتراكمها إلى أن نضطرّ في نهاية المطاف إلى مواجهتها للتخلّص منها عندما نتعايش مع عواطفنا ونتقبّلها، سنساهم بتفريغ الطاقة من أجسادنا وبالتالي سنحظى بصحة جيدة
فهم نظام جسمنا الداخلي
لماذا علينا أن ننتظر وقوع الكارثة لنتوصل إلى فهم نظام عمل جسمنا الداخلي ؟ عواطفنا هي بمثابة الوقود الذي يشحن أجسامنا
كي تعمل. كلّما تعايشنا مع عواطفنا وتقبّلناها ، كلما تمكّنا من تحريرها بشكل آمن وحافظنا على صحتنا على مرّ السنوات ، إعتاد جسمي على الأدوية التي كنت أتناولها فاضطرت إلى زيادة الجرعات. كنت أظن أنها تساعدني على الشعور بالتحسّن لكنني في الواقع لم أكن ” أشعر” بشيء إطلاقًا
الصحة والسعادة
الصحة الشمولية تعني صحتنا على المستوى العقلي والعاطفي والجسدي والروحي . إذا فهمنا مدى ترابط هذه المستويات الأربعة وتأثيرها على صحتنا وسعادتنا ، فسنسعى جاهدين للتعامل معها كي ننعم بصحة جيدة وحياة هانئة
إنّ فهم العلاقة التي تربط العقل بالجسد يتطلّب الكثير من الإلتزام والإصرار لنحفر بعمق داخل خفايا النفس ونكشف صورًا ومعتقدات وعواطف باتت مدفونة داخلنا منذ زمن، ولم نتعلّم حينها كيفية التعاطي معها.
العواطف التي تشمل الحزن والخوف والشعور بالذنب والغيرة والغضب ، تولّد داخلنا طاقة سلبية ، إذا تمّ قمعها تصبح في حالة ركود وتأخذ شكل الأمراض الجسدية. من هنا تظهر أهمية تسليط الضوء على أفكارنا والحديث مع النفس لجلب كل هذه المشاعر والأفكار إلى العقل الواعي، ومعاينتها بحكمة ونضج لتفهّم سبب نشأتها الحقيقية أثناء مرحلة الطفولة
نلاحظ أنّ ما نؤمن به ونفكّر فيه يتحقّق بالفعل.نحن نتعاطى مع نظام معتقداتنا من خلال إما إطلاق المشاعر أو كبتها. معظم مشاعرنا المكبوتة تتكوّن في الصغر وترافقنا في صورتها الجسدية حتى مرحلة النضوج. عندما نفهم هذه العواطف ونحرّرها بوعي سنحظى بالصحة الجسدية والسعادة الروحية التي لطالما كنّا ننشدها
تقبّل الذات
إن فهم أصل مشكلتي المتجذرة في طفولتي ساعدني كي أستعيد ثقتي بنفسي. كنت دومًا أقارن نفسي بالآخرين ظنًا مني أنهم أفضل. كنت أعاني من ضعف تقدير الذات وعدم حبّ النفس. مجرّد أن فهمت أصل هذه المشاعر وواجهتها، تحسنت صحتي الجسدية واختفت أعراض القولون العصبي ولم تعد تظهر الحبوب على وجهي
عندما تحدّثت إلى مستشاري النفسي عن طفولتي ، تحرّرت من مشاعر الحزن والغضب والأسى التي تملّكتني لمدة طويلة. فهمت أنّ لي الحق أن أختبر هذه المشاعر وليس أمرًا معيبًا أو مشينًا كما كنت أظن. إنّ تفريغ هذه العواطف العالقة أدى إلى عدم تعرّضي للإنتكاسات الصحية التي لطالما عانيت منها كنوبات السعال المزمن ونزلات البرد
نحن جميعًا قادرون على التعافي وتحقيق الصحة الشمولية التي ننشدها لنحظى بالتحرّر من قيود الماضي والراحة النفسية . كل ما يلزمنا هو عقد النية والإلتزام تجاه أنفسنا والأهم من ذلك هو تقبّل الذات والتسامح وحب النفس
nathalie@taabeer-me.com يمكنكم التواصل مع نتالي خلف عبر الإيميل التالي