كتبت: لورا حداد
انتشرت حملة نسوية سميت بـ #أنا_أيضًا (Me Too#) والتي اجتاحت دول العالم كلها وألهمت العديد من الحملات الأخرى مثل #أنا_مش_حبيبتك.
يشاركنا بعض التربويين البارزين والناشطين والأهل لمناقشة التحديات التي نواجهها في تربية أولاد غير كارهين للمرأة أو مسيئين لها.
يشير الخبراء إلى أن الأهل لا يقومون بتربية أطفالهم وتعليمهم بشكل مباشر أن التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي أمران عاديان. لكن مع هذا، يساهم الأهل لا شعوريًا في تربية أولاد في المجتمع يرون إساءة معاملة المرأة أمرًا عاديًا ويمكن احتماله. السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا هو“لماذا لا نبدأ بالتحدث عن هذا الموضوع مع أولادنا؟”
تقول ويندي ميرديان، والتي أمضت 25 عامًا في الأردن تعمل كمرشدة لضحايا الاساءة الجنسية “عادة ما نتحدث عن المرأة وعن ضحايا الاساءة الجنسية وعن كيفية مساعدتهم، ولكن لماذا لا نتحدث عن موضوع أهم وهو عن المعتدي والمتحرش وعن كيفية تغير سلوكهم؟”.
اتفق المشاركون أن تمكين وتعزيز المرأة هو محط تركيز الكثير ولكن هذا التعزيز والتمكين لن يكون فعالًا وناجحًا إذا لم يتم إشمال الفتيان والرجال في هذا العمل.
الاستخفاف في سلوكيات التحرش والاعتداء
تقول لانا زنانيري، مديرة وحدة الجندرة في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (ARDD) سابقًا، أنه في العادة يعتبر الرجال سلوكهم المسيء للمرأة سلوك طبيعي ومقبول. وتضيف أنهم“لا يدركون أن سلوك التعنيف والاساءة هذا هو جريمة، ولا يدركون أنه هنالك حدود ما بين الناس في العمل ولا يحق للمسؤول التحرش بالموظفات”. تشدد زنانيري أن“التحرش والاعتداء الجنسي لا يقتصران على الناحية الجسدية فقط، بل هنالك العديد من الطرق الأخرى مثل ارسال أو نشر الصور والرسائل المسيئة جنسيا”.
تعتقد الدكتورة وفاء خضرا، وهي ناشطة في حقوق المرأة، أنه بسبب التباين في القوة ما بين المرأة والرجل، يشعر الرجال أنهم لهم الحق في الحصول على كل شيء بما فيه المرأة، التي يعتبرونها ملكا لهم. وتضيف خضرا، والتي عملت في اصلاح وتجديد المناهج الدراسية في المملكة، أن “الرجال والفتيان يعتقدون أنهم لهم الحق في عمل الأشياء التي يفعلونها ولهم الحق في امتلاك المرأة والاساءة لها واستغلالها”. شهدت خضرا خلال الـ20 سنة الماضية على الأفكار التقليدية السائدة في المجتمع الذكوري وعدم المساواة، اللذان يساهمان في الاساءة للمرأة.
المسؤولية: من الإتهام إلى التفهم
تحث كاريمان منكو، وهي معلمة في المرحلة الثانوية، الأهل على البحث في“التجارب والمواقف التي يمر بها فتيانهم وشبابهم كل يوم، كيف يتعامل معهم معلمينهم أو أهاليهم؟ من هم قدوتهم في هذه الحياة؟ فهم أيضا بحاجة الى حماية واهتمام وتعاطف”.
تعتقد نرمين مراد وهي اختصاصية في الجندرة، أن تحديد المشاكل والتحديات التي يعاني منها الرجال ومحاولة تفهمهم هو أمر مهم وله تأثير كبير في حل مشكلة الاساءة الجنسية وعدم المساواة التي تعاني منها المرأة. تقول مراد “هنالك الكثير من التحديات والمشاكل التي يعاني منها الرجل في كل أنحاء العالم ولكن يوجد ضغط زائد على الرجال في مجتمعنا حيث يرى مجتمعنا وديننا أن على الرجل أن يكونوا الحامي والدّاعم. يشعر العديد من الرجال بالضغط والغضب والعدوانية لشعورهم بعدم قدرتهم على توفير وتحقيق ما يطلبه المجتمع منهم خلال حياتهم”.
يعتقد فادي زغموط مؤلف كتاب “عروس عمان” أن القدوة السيئة والتواجد مع رجال مسيئين للمرأة يساهم كثيرًا في استمرارية هذه الإساءة. يقول: زغموط“يتعلم الكثير من الفتيان كره المرأة من فتيان آخرين قريبين منهم أثناء كبرهم، ويفتقر هؤلاء الفتيان الى إلى الاختلاط الصحيح مع الفتيات، الأمر الذي سيجعلهم يغيرون هذا السلوك.”يتحدث زغموط في كتابه الذي نُشر لأول مرة في عمان عن حياة أربع نساء وشاب شاذ في عمان ويتحدث عن معاناتهم في المجتمع ومواجهتهم للتحرش والاعتداء الجنسي.
ثقافة الإستحقاق
اتفق المشاركون أن تربية الأولاد على أنهم الجنس الأفضل وأنهم متفوقين على المرأة في العالم العربي هو السبب الرئيسي للتحرش والاساءة للمرأة. تقول مراد:“نحن لا نربّي أولادنا على ضرب أو اهانة المرأة بشكل مباشر ولكن تعاملنا معهم وكأنهم الجنس الأفضل وتفضيلهم على الفتيات يساهم في هذا الأمر”. إن التعامل معهم بهذا الأسلوب يجعلهم يظنون أنه يتفوقون على الفتيات ولهم الحق في السيطرة عليهم وعلى الفتيان “الضعفاء”.
يتفق الخبراء والباحثين أن أسلوب الذكور العنيف والمسيء للمرأة له علاقة في الأنانية الموجودة عند الذكور. “انه ليس من الأمر العجيب أن يحب الكثير من الذكور مدح النفس والمبالغة في الافتخار في امكاناتهم غير الموجودة من الأصل، حيث يظن بعض الرجال أن المرأة تابعة لهم ويجب أن تخضع لهم من الناحية الجسدية وتعطيهم كامل وقتها واهتمامها”، يقول الفنان التشكيلي والمغني والممثل محمد القاق. يضيف القاق أن الأمهات لهم دور كبير في تربية فتيانهم على الأنانية والشعور بالتفوق على المرأة. بدأ القاق في عرض وتوثيق سلوك الرجال المسيء والعنيف قبل 11 سنة من خلال ورشات الفن التشكيلي وسرد القصص في مختلف مجتمعات العالم العربي. الشيء الذي وجدوه مشترك ما بين الثقافات والديانات والطبقات والأعمار المختلفة هو أنانية الرجال.
تحدي الصور النمطية للجنسين
يحذرنا الدكتور يمان التل، استشاري أمراض المسالك البولية والطب الجنسي، عن استخدام العبارات الشائعة التي تسيء وتستهين بالفتيات والأنثى بشكل عام مثل عبارة “مثل البنت”.
تقول سيرسا قورشة، اختصاصية طفولة وارشاد والدي، أن الكثير من الأهالي يستشيرونها من أجل فتيانهم حيث يكونوا قلقين لأن فتيانهم يتصرفون كالفتيات أو يكونوا “أنثوين”، لكنها لا تسمع عن أهالي يكونوا قلقين لأن بناتهم يملن للذكورية. هذا الأمر هو لأن الناس عادة تربط الأنثوية بالضعف والنقص.
تضيف قورشة أنه “هنالك بعض العبارات المستخدمة تشير للأشخاص الضعفاء أو عديمي الجودة، مثل (لا تبكوا، البكاء للفتيات) أو (لا تلعبوا كالفتيات)، وتقول قورشة “يجب أن ننظر للأنثوية والنسوية من جميع الجوانب وليس من جانب القوة فقط”.
الفعل أهم من القول
تعلم خضرا فتيانها الثلاثة التعاطف واحترام الآخرين من خلال فعل بعض الأعمال البسيطة والتي يمكن لجميع الأهالي فعلها. فعلى سبيل المثال، اقتناء حيوان أليف علم فتيانها المسؤولية والتعاطف واحترام والاهتمام بالناس. ان هذه القيم والمهارات يمكن تعليمها وتنميتها عند فتياننا لكي لا يكبروا ليصبحوا متنمرين ومسيئين للمرأة.
تشير جمانا سابيلا الى زوجها الذي يشكل قدوة حسنة لفتيانهم الثلاثة، وتشرح “إذا كان الفتيان يرون الرجال القريبين منهم مثل والدهم أو قريبهم لا يحترمون ويسيئون ويستهينون بالمرأة، فمن المتوقع أن يكبر الفتيان ويصبحوا هم أيضا مسيئين لها”.
توافق رولا حمدان، وهي أم لطفلتين، على هذا الكلام وتقول “اذا كان أهالي الأطفال يسيئون للمرأة ويعذرون التحرش والاعتداء الجنسي بها، فان الأطفال سوف يتعلمون هذه الأفكار وسوف يفعلون الشيء ذاته عند كبرهم”.
تضيف مراد أن على الأزواج أن يمثلوا قدوة حسنة لأطفالهم فيما يتعلق في العلاقة الزوجية الصحية والمبنية على الاحترام.