جسدٌ حاضر، و ذهنٌ يَقِظ

0
2174

كتبت: رولا وردة سكاب، مدربة يوغا

في حياتنا المليئة بالمنبهات والمحفزات، والمتع الفورية، التي تقودها التكنولوجيا، أصبح التدرب على الحضور الذهني أمرًا ضروريًا أكثر من أي وقت مضى.

إذا خصصتم لحظة للتواصل مع أذهانكم وأجسامكم فما الذي ستلاحظونه؟ هل تلاحظون تنفسكم؟ هل يمكنكم إبطاء أفكاركم؟ مع زيادة انشغالنا تصبح أذهاننا أقل حضورًا، ولكن علينا التذكر دائمًا أن الحضور الذهني لا يعني الكسل، ولا التباطؤ في الإنجاز.

ما هو الحضور الذهني؟

هو حالة ذهنية نصل إليها بالتركيز على وعينا باللحظة الراهنة بينما نعترف بمشاعرنا وأفكارنا وأحاسيسنا الجسدية، ونتقبلها بهدوء، والحضور الذهني هو التركيز والإنتباه على أمر ما في وقت محدد، فمن الطبيعي للعقل البشري أن يفكر في الماضي أو المستقبل مما يبعدنا عن اللحظة الراهنة.

التوقّف والتواصل

إن مشاعر الغضب، الخوف والقلق التي نواجهها غالبًا ما تظهر وتلازمنا طوال اليوم، وهذه المشاعر ترتبط بأفكار متعلقة بالماضي أو المستقبل، حتى ولو كان المستقبل يعني بعد خمس دقائق من الآن، وفي كثير من الأحيان نتصرف بناء على هذه المشاعر، والأسوأ من ذلك أننا قد نتخذ قرارات بناءً عليها، دون أن نأخذ وقتًا للتوقّف، والتواصل مع ما نشعر به حقًا في هذه اللحظة.

في حصص  Yin Yoga التي أقدمها لطلابي، دائمًا أشجعم عل التواجد عقليًا و جسديًا خلال الحصّة، فنحافظ على كل وضعية لمدة ثلاث إلى خمس دقائق لكل جهة من الجسم؛ ليتوافر لنا وقت كاف لتركيز أفكارنا على اللحظة الراهنة من خلال التنفس، والأحاسيس الجسدية والنفسية.

كيف يبدو الحضور الذهني؟

إذا طلبت منكم أن تكونوا حاضري الذهن، فماذا يعني لكم ذلك؟ ماذا لو طلبت منكم التوقف لدقيقة، والتركيز بشكل كامل (بكل حواسكم وطاقتكم) على ما تقومون به الآن؟ فإذا كنتم تقرأون، ركزوا على الكتاب لدرجة لا تعودون ترون أي شيء آخر من حولكم، فلن تسمعوا الأصوات الخارجية إذا كنتم مستغرقين بشكل تام.

إذا كنتم تخوضون حوارًا مع شخصٍ ما فإن حضور الذهن يعني إعطاء كامل تركيزكم لهذا الشخص، وأن تحرصوا على النظر في العينين، والإستماع الفعّال، والتناغم مع كلماته وردود أفعاله، وحتى أن تشعروا بما يشعر به، فكم مرة ننظر إلى هواتفنا، ونحن نتحدث مع أطفالنا؟ فذلك ليس حضورًا ذهنيًا.

ماذا نكسب من ممارسة الحضور الذهني؟

دائمًا ما نتساءل عما سنستفيده من أي شيء، أو ما الذي سنكسبه، فماذا لو أخبرتكم أنكم لن تكسبوا شيئًا؟ ولكن الحضور الذهني يساعدكم على التخلص من الكثير من الأفكار والمشاعر السلبية كما يلي:

 
تتخلصون من الأوهام التي ترافق العيش بحالة من الخوف والغضب والقلق

 
تتوقفونعنإضاعةالوقتعلىالسلبيةوالأفكارالتيتستنزفالطاقة

 
لا تعودون مضطرين للتصرف تجاه المشاعر السلبية بإستمرار

سُئل بوذا مرّة: “ما الذي اكتسبته من التأمّل؟فأجاب: “لا شيءثم بيّن ما فقده من التأمل: “الغضب، القلق، الإكتئاب، عدم الشعور بالأمان، والخوف من الهرم والموت”.

أن نكون

إن الحضور الذهني ليس تقنية معينة، فحسب فلسفة اليوغا، التأمل هو الحالة الطبيعية للإنسان، فطريقتنا في العيش الآن بِتشتت مستمر بسبب أفكار وأمور خارجية ليست حالتنا الطبيعية، فالحضور الذهني يجعلنا أكثر نجاحًا، ويساعدنا على فعل وقول الأمور الصحيحة في أي موقف كان ؛ لأننا سنكون بتركيزنا الكامل حينها.

لنأخذ مثال الإفراط في تناول الطعام، أو تناوله بإستمرار، فإن هذه العادة مرتبطة بالشعور بالإكتئاب، أو ضغوطات العمل، أو بكوننا على عجل من أمرنا فنأكل أي شيء نجده أمامنا، ولممارسة الحضور الذهني في هذه الحالة نتوقف قبل أن نفتح الثلاجة، أو كيس الشيبس، ونركّز تمامًا فيما نحن موشكين على القيام به، ونسأل أنفسنا: “لماذا أفتح الثلاجة، هل أنا حقًا أشعر بالجوع؟ هل حقًا أريد تناول هذا النوع من الطعام الآن؟

من أين تظنون قد جاءت فكرة العدّ حتى العشرة عندما نشعر بالاستياء؟ إنها تجبرنا على التمهّل قبل التصرف، وهذا الأمر ينطبق علىالوقت المستقطعلأطفالنا، فعندما نطلب منهم أن يأخذوا وقتًا مستقطعًا نكون بحاجة لأن نوضّح لهم أن الهدف وراء هذا الوقت هو أن يتوقفوا للحظة، وأن يفكروا بما فعلوه.

ممارسة الحضور الذهني

في البداية، خصصوا وقتًا كل يوم لمدة  بين خمس و عشر دقائق على الأقل؛ للتركيز والحضور الذهني في الصباح والمساء، وتوقفوا وأغمضوا عيونكم، وركزوا تمامًا على أنفاسكم، ولا تحاولوا تشكيل طريقة التنفس، بل لاحظوها، وتابعوا الملاحظة، ومع الوقت ستتواصلون بشكل أفضل مع أنفاسكم، وستلاحظون ما إذا كانت أنفاسكم طويلة أو قصيرة، منتظمة أم متقطعة، سطحيّة أم عميقة، وهذا يدعى ببساطة الوعي بالتنفس، وهو الذي سيقود في النهاية إلى تنفس بذهن حاضر خلال اليوم بأكمله.

النيّة والانتباه

قبل البدء بطريق الحضور الذهني أو التأمل أو اليوغا أو أي طريق آخر في الحياة، سيساعدكم أن يكون لديكم نيّة واضحة لما تريدون أن تُظهروا في حياتكم

لم أنتم تمارسون هذا؟

ما النتيجة المثالية التي ستحصلون عليها؟

ما الميّزات التي تودون وتحتاجون أن تكون موجودة في حياتكم؟

(ومن الأمثلة على ذلك: راحة البال، الصبر، التعاطف، الشجاعة في التعبير عن الرأي، عدم إطلاق الأحكام وغيرها من الأمور)

حالما تصبح نيّتكم واضحة يمكنكم بعدها التركيز عليها لتصوّرها، ثم مارسوا اليوغا التي تدفعكم إلى تسليم جهودكم لقوة أكبر وأعلى.

في كل مرة تتمرنون فيها، أو في كل صباح عندما تتواصلون بحضور ذهني مع أنفاسكم، ذكروا أنفسكم بنيّتكم، وهذه الخطوة، التي تدعىدراسة الذات، هي أيضًا جزء من فلسفة اليوغا، فواظبوا على مراجعة نيّتكم، وتواصلوا معها، فهذا أمر ضروري عندما تكونون منشغلين جدًا، لأنكم حينها تضيّعون طريق نواياكم، وتنسون التركيز عليها

سلام من القلب