كتبت: رانية السعدي، اختصاصية صحة نفسية وممارسة في البرمجة اللغوية العصبية
xx
يُعرف الإدمان بأنه أي شيء يبعدنا عن الألم ويقودنا نحو المتعة، ولا يقتصر ذلك على المواد المخدرة فحسب، وإنّما يتضمّن السلوكيّات، ومن أكثر أنواع الإدمان شيوعًا إدمان المخدرات والنيكوتين والكحول ولعب القمار والألعاب والتسوق وتناول السكريّات، وغيرها.
xx
تحطيم الصورة النمطيّة
تنتشر في مجتمعنا العديد من المفاهيم الخاطئة حول الإدمان؛ حيث نتعامل معه كمشكلة ونعتبر المدمن شخصًا منبوذًا، يقوم باختيار الخيارات السيئة ويتّخذ القرارات الخاطئة التي أدّت إلى وصوله للوضع الحالي؛ إذ أصبح شخصًا ضعيفًا مستسلمًا لا يقاوم الإغراءات، أو مجرمًا يستحقّ العقاب.
xx
تنشأ مراكز إعادة التأهيل بهدف مساعدة الناس على الإقلاع عن إدمانهم، وذلك من خلال التعامل مع الإدمان كقضيّة تحتاج إلى المعالجة أو سلوك يحتاج إلى التغيير، بدلًا من رؤيته على حقيقته، وهنا يكمن الحل.
xx
رحلة الهروب من المعاناة
وراء كل سلوك بشري غير سوي، تكمن محاولة للفرار من المعاناة، والإدمان ليس استثناءً، فهو عادةً ما ينشأ كآلية للتكيّف مع مشكلة أعمق؛ لذا فإنّ أفضل طريقة للتخلّص من أي إدمان هي فهم الألم الكامن وراءه، وبمجرد اكتشاف السبب الجذريّ للإدمان، يمكن حله بسهولةٍ أكبر.
xx
تُظهر العديد من الدراسات ارتباطًا قويًّا بين الإدمان وصدمات الطفولة، مثل التخلي والإيذاء العاطفي أو الجسدي أو الجنسي. وعادةً ما تؤدّي هذه الصدمات إلى نشوء معتقدات مثل”أنا غير محبوب، أو غير مقبول، أو غير جيّد بما فيه الكفاية”. ويصبح الإدمان وسيلةً للهروب من الواقع والبقاء على قيد الحياة في بيئة قاسية.
xx
في كثير من الحالات، عندما يشعر بعض الأطفال بالانقطاع عن الأشخاص الوحيدين الذين يُفترض بهم توفير الأمان والحماية، وهم الوالدين على وجه الخصوص، فإنّهم يلجؤون إلى إيجاد ذلك الاتصال من خلال تعاطي المخدرات أو تبني سلوكيّات غير صحيّة.
xx
الإدمان: عناق زائف يخفي جروحًا عميقة
يمنح الإدمان الأشخاص شعورًا بعناق دافئ، يملأ فراغًا عميقًا بداخلهم، ويخفي الألم مؤقّتًا، كما يوفر شعورًا فوريًّا بالرضا والراحة، وسرعان ما يتبع ذلك الشعور بالذنب والعار ولوم الذات.
xx
عقليًّا، يدرك الأشخاص المدمنين أنّهم يمتلكون عادةً غير صحيّة، ومع ذلك فإنّهم لا يمتلكون القدرة على مقاومتها؛ حيث إنّ هناك شعور بالعجز يجعلهم عالقين في هذه الحلقة المفرغة.
xx
والسبب في ذلك أنه عندما ينشب صراع بين المنطق والعاطفة، فإن العاطفة هي التي تنتصر دائمًا. فالشعور بعدم المحبة من الغير، وأنّهم أشخاص غير مرغوب فيهم، وغير جيّدين بما فيه الكفاية، وهي مشاعر تُغرس في اللاوعي منذ الطفولة، تكون قويّة للغاية، ولا يمكن للتفكير المنطقيّ مهما كانت قوّته إزالتها.
xx
معظم المدمنين لا يستطيعون التوقف لأن الإدمان بالنسبة لهم يلبي حاجةً ماسّة، وهي الحاجة للشعور بالحب والتقدير؛ فعلى سبيل المثال، يعمل مدمنو العمل ليلًا ونهارًا، ويهملون عائلاتهم، فقط ليشعروا “باللاوعي” أنهم ذو قيمة، وذلك لأنّه قد غُرس بداخلهم أن لا قيمة لهم إلا عندما يكسبون المال.
xx
إدمان الألعاب الإلكترونيّة والفرار من الواقع
بالإضافة إلى مدمني العمل، فإنّ الأشخاص مدمني الألعاب الإلكترونيّة الذين يقضون ساعات طويلة في ممارستها، الأمر الذي يؤدي بهم إلى الفشل في العديد من مجالات الحياة الأخرى، وذلك بسبب الشعور بالإنجاز عند الانتقال من مستوى إلى آخر في اللعبة، ويكمن السبب في ذلك إلى الاعتقاد الكامن في داخلهم بأن ليس لديهم القدرة الكافية على تحقيق أي إنجاز في الحياة الحقيقية.
xx
ويدرك جميع الأشخاص المدمنين بوعي أن سلوكهم يؤثر سلبًا على حياتهم، لكن المعتقدات اللاواعية هي التي تحرك معظم اختياراتنا في الحياة، وبدورها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بغريزة البقاء لدينا، فإنّ شعورنا بأننا غير محبوبين أو أشخاص جيّدين أو أذكياء بالقدر الكافي، يؤدي إلى شعورنا بأنه يمكن استبدالنا، وبالتالي الشعور بالوحدة وعدم الأمان.
xx
قواعد العقل الباطن
إحدى قواعد العقل الباطن هو أنّه يأخذنا دائمًا إلى منطقة بعيدة عن الألم، ويقودنا للشعور بالمتعة، وذلك للبقاء على قيد الحياة، مما يؤدي إلى اللجوء للإدمان.
xx
بعبارة أخرى، علينا ألّا نسأل عن سبب الإدمان، وإنّما أن نسأل عن سبب الألم.
xx
ويعد تحديد مصدر كل هذه المعتقدات السلبيّة التي تقود إلى الإدمان هو الخطوة الأولى لمقاومتها والتخلص منها، وبمجرد اختفاء المعتقد الذي يحرّك هذا السلوك غير الصحي، فإنّ الإدمان الذي يعد وسيلة للتعامل معه يختفي.
xx
ولذلك، فإنّ أفضل طريقة لمساعدة الأشخاص المدمنين هي إظهار التعاطف والتفهّم، ومعرفة الألم الكامن وراء السلوك وتجنب إصدار الأحكام، علينا إشعارهم أنّهم يستحقون حياة أفضل وأننا بالقرب منهم لمساعدتهم، بمجرد استعدادهم لقبولها.
xx
يمكنكم التواصل مع رانيا السعدي على raniasaadi75@gmail.com