رحلة مايا مع التنمر
كتبت: شيرين يعيش, اختصاصية في العلاج النفسي عن طريق الفن ومؤسسة مركز كينونة للعلاج النفسي عن طريق الفن
تواصلت معي والدة مايا عندما بدأت ابنتها ذات الثماني أعوام تعاني تحديات مع الغضب في المنزل، ورافقها خوف من الذهاب إلى المدرسة، وعدم القدرة على النوم وحدها أخيراً.
كانت مايا تتعرض للتنمر من قبل صديقتها الوحيدة، وواجهت صعوبات في تقبل وتفهم فكرة أن صديقتها المقربة كانت تعاملها بقسوة أمام الصف بأكمله.
لم ترغب مايا بالتحدث في البداية، وفضلت التعبير عما تمر به بالكتابة:
“هيا لم تعد صديقتي بعد الآن”
“أنا أفتقد هيا”
“هيا تسخر مني”
“لم تفعل صديقتي ذلك؟”
تقبلت عدم قدرتها على التعبير لفظيًا عما تشعر به وتمر به، ورددت عليها بالكتابة أيضًا، وأجرينا حواراتنا في ثلاث جلسات بالكتابة على الورق، إلى أن شعرت مايا بتهديد أقل بوجودي.
داخل رأسي
كان أول شهرين من جلسات العلاج النفسي عن طريق الفن يتمحور حول لوم مايا لنفسها على تصرفات صديقتها، وغالبًا ما أعربت عن رغبتها بعودة الأمور إلى مجاريها بينهما، فقد كان من الصعب على مايا تقبل أن الثقة التي منحتها لها تُستخدم الآن ضدها، وكانت في حالة إنكار لمقدار الألم الذي تسببه لها هيا بتصرفاتها، وقد كان خوف هيا من المدرسة يتجسد في المنزل على شكل نوبات غضب يومية، والتسلل إلى غرفة نوم والديها في الليل بسبب قلقها.
طلبت منها أن تريني كيف تشعر برأسها، وشاهدتها وهي ترسمه وتملأه بقطع الألوان الجافة التي جمعناها سابقًا، وقد ناقشنا كل قطعة منها بينما شاهدتها تضع القطع فوق بعضها بعضا في كل جلسة، وقد وضحت لي أن كل لون يمثل قلقًا، وقد تطلّب إنهاء العمل على القطعة الفنية “داخل رأسي” من مايا أربع جلسات، وعندما تساءلت: لمَ لم نعد نرى الرأس، أجابت أن ذلك لأن رأسها يمتلئ قلقًا، وأكثر قلق كان واضحًا في قطعتها الفنية هو الخوف من التنمر، والصدمة من قدرة طفلة أخرى على إيذاء مشاعرها، فقد واجهت صعوبة في فهم لمَ تخونها صديقة وثقت بها.
داخل قلبي: الوجه الخائف
تعبّر القطعة الفنية التي صنعتها مايا للوجه الصارخ عن خوفها وغضبها، وقد كانت أول فرصة حظينا بها للتحدث حول شعور التعرض للتنمر، وقد اختارت مايا قناعًا بلاستيكيًا لتلونه، وقد لاحظنا أن الألوان تتقشر مع الوقت، وناقشنا حينها أن تقشر الألوان يعني ابتعاد مخاوفها أيضًا، وقد ساعدت عملية صنع القطعة الفنية “داخل قلبي: الوجه الخائف” والنقاش الذي تبعها مايا في التعبير لفظيًا عن مشاعرها التي كان يصعب عليها التعبير عنها في البداية، وفي جعل مخاوفها أقل تهديدًا.
قفازات الأبطال الخارقين
بدأت مايا بتلوين يديها خلال الشهر السادس، وحين أشرت إلى أنها تبدو كالقفازات، قالت إنها قفازات الأبطال الخارقين. تحب مايا الأبطال الخارقين؛ ولذا قررت مماشاتها واستخدام قفازات الأبطال الخارقين لبناء مفاهيم التمكين والثقة بالنفس، وقد تساءلت عن القوى التي تزودها بها هذه القفازات، فأجابت إنها القوة، والطيران، والدفاع عن النفس، ولاحظت أن القفازات يمكن غسلها بسهولة، وسألت كيف يمكننا جعل القفازات أكثر مرونة وقدرة على البقاء، وتساءلت إن كانت هذه القفازات قادرة على حمايتها من التنمر، وشفاء قلبها المكسور؟
اقتنعت مايا بالملاحظة حول القفازات أنها ضعيفة، فقررت استخدام الصلصال في الجلسات الثلاثة التالية لصنع قفازات قوية كفاية لتبقى، وقد كانتا “سرنا”، إذ أعربت عن حاجتها لإبقاء هذه القفازات سرًا بسبب قواها التي تحميها من التنمر في المدرسة، وتبقيها آمنة في غرفة نومها في الليل، ثم قررنا مشاركة هذا السر مع والدة مايا فقط، وطلبنا منها الاحتفاظ بها في غرفة نومها بجانب السرير، وقد بدأت مايا تتخيل نفسها ترتديهما وهي في المدرسة، وبينت كم تشعر بالأمان والقوة بارتدائهما.
خلال سابع شهر من الجلسات، أخبرتنا أنا ووالدتها بسعادة كيف استخدمت القفازات، لإيقاف تنمر هيا بإخبارها أنها تتصرف بلؤم، وأنه ليس من اللطيف أن تؤذي مشاعرها، فقد كان القفازات وسيلة تستوعب بها مايا تمكينها وثقتها بنفسها ومرونتها.
في الشهر العاشر تحققنا من مشاعر الخوف لدى مايا، وساعدناها على معرفة أن التعرض للتنمر قد آذى مشاعرها، وجعلها تشعر بالتهديد في المدرسة، وتخاف النوم وحدها في غرفتها، وقد استخدمنا رحلة العلاج عن طريق الفن لتعزيز الحاجة إلى تكوين عدة صداقات، ولفهم أنها ليست الملامة على تعرضها للتنمر، كما ناقشنا بشكل مكثف حاجتها لأن تثق من جديد، وتكون صداقات جديدة، وبناء تصور إيجابي عن نفسها.
إن التنمر يسبب مشاعر قوية بحاجة للتحقق منها، وعلينا معرفة أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر لديهم مخاوف حقيقية، وعادة ما يشعرون بالخوف والتهديد من مشاعرهم، فعلينا منح هؤلاء الأطفال الوقت للتعبير عن هذه المشاعر الصعبة، والتعامل معها وفهمها، وإلا فإنها سترافقهم إلى سنوات رشدهم.