كتب: الدكتور سعيد قباعة، كاتب طبي وخبير في الصحة العامة
الربيع هو الوقت الذي تستعيد فيه الطبيعة حيويتها بألوانها الزاهية وروائحها العطرة؛ حيث ترتفع درجات الحرارة تدريجيًا، مما يخلق أجواءً مثالية لقضاء الوقت في الهواء الطلق، مما يعزز الشعور الإيجابي بهذا الفصل.
بداية جديدة ومنعشة
عادةً، نشهد خلال فصل الربيع عودة النباتات والأشجار إلى الحياة بعد فترة الخمول الطويلة في الفصل السابق، ويتجلّى ذلك في تفتح الأزهار ونمو الأوراق الخضراء الجديدة، مما يرمز إلى بداية جديدة ومنعشة، ومع ذلك، قد يكون قدوم الربيع تجربة غير محببة للبعض؛ حيث يجلب معه أحد أكثر التبعات المزعجة لهذا الفصل، ألا وهو الحساسية الموسمية.
حساسية الربيع: كيف تحدث؟
يرتبط الطقس الدافئ في الربيع بإطلاق حبوب اللقاح في الهواء، وهي حبيبات دقيقة تنتجها الأشجار والأعشاب كجزء من عملية التلقيح بين النباتات.
تتمكن هذه الحبوب من دخول الجهاز التنفسي بسهولة، مما قد يثير استجابة مناعيّة لدى بعض الأفراد. يحدث ذلك عندما يخطئ الجهاز المناعي في التعرف على حبوب اللقاح ويعتبرها تهديدًا، فيطلق مواد كيميائية طبيعية في الجسم، مثل “الهستامين” لمحاربتها.
وينتج عن ذلك الأعراض المعتادة للحساسية، مثل العطس واحتقان الأنف ودموع العينين والحكة، وقد تكون هذه الأعراض أكثر حدة في الأيام العاصفة؛ حيث تساعد الرياح القوية في نشر كميات أكبر من حبوب اللقاح، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة.
متى تبدأ حساسية الربيع؟
عادةً ما تبدأ الحساسية الموسمية في شهر شباط وتستمر حتى أوائل الصيف، ولكن قد يختلف التوقيت قليلًا حسب المناخ في كل منطقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن توقيت الحساسية يعتمد على نوع حبوب اللقاح أو المادة المسببة للحساسية، والتي تنطلق في الهواء في فترات معينة خلال الموسم.
لهذا السبب، تُعرف الحساسية الموسمية أيضًا باسم “حمى القش”؛ حيث تظهر الأعراض في أوقات محددة من السنة.
طرق التخفيف من الحساسية
على الرغم من صعوبة تجنب حبوب اللقاح تمامًا، إلا أن هناك عدة طرق يمكن أن تساعد في تقليل التعرض لها وتخفيف الأعراض، ومنها:
مراقبة مستويات حبوب اللقاح وأوقات الذروة: يمكن متابعة توقعات مستويات حبوب اللقاح محليًا، وتقليل الوقت الذي يُقضى في الخارج عند ارتفاعها. كما يُفضل البقاء في الداخل، إن أمكن، في أوقات معينة من اليوم، مثل الصباح الباكر أو الأيام العاصفة؛ حيث تكون مستويات حبوب اللقاح في ذروتها
استخدام مرشحات الهواء الفعالة: يُساعد استخدام فلاتر الهواء عالية الكفاءة (HEPA) في أنظمة التدفئة والتبريد المنزلية في التقاط حبوب اللقاح والمواد المسببة للحساسية قبل أن تصل إلى الجهاز التنفسي، كما يمكن أن يكون جهاز تنقية الهواء الداخلي مفيدًا في تحسين جودة الهواء داخل المنزل
إبقاء النوافذ مغلقة: خلال فصل الربيع، من الأفضل إبقاء النوافذ مغلقة قدر الإمكان في المنزل والسيارة ومكان العمل، وذلك لمنع دخول حبوب اللقاح من الخارج، مما يقلل من خطر التعرض للحساسية.
إضافةً إلى ذلك، يُنصح بالتأكد من تنظيف الأسطح المختلفة بانتظام في حال تراكم حبوب اللقاح مع مرور الوقت، بالإضافة إلى تنظيف السجاد بالمكنسة الكهربائية بشكل دوري، مما يساعد في التخلص من حبوب اللقاح العالقة
الحفاظ على النظافة الشخصية: رغم أنها قد تبدو بديهية، إلا إنّه من المهم تذكر أهميّة الاستحمام وتبديل الملابس عند العودة من الخارج؛ حيث يساعد ذلك على إزالة حبوب اللقاح من سطح الجلد ويمنع انتشارها داخل المنزل
تناول أدوية الحساسية: على الرغم من عدم وجود علاج نهائي للحساسية حتى الآن، فإن الإدارة الصحيحة لها يمكن أن تقلل بشكل كبير من الأعراض وتحسن الصحة العامة وجودة الحياة، خصوصًا خلال موسم الربيع.
تتوفر العديد من العلاجات التي تخفف أعراض الحساسية دون وصفة طبية، مثل مضادات الهستامين وبخاخات الأنف بالكورتيكوستيرويد ومزيلات الاحتقان وقطرات العين، ومع ذلك، من الضروري استشارة الطبيب لوضع خطة علاجية شخصية بناءً على التاريخ الطبي، خاصة إذا كانت الأعراض شديدة أو مستمرة
بدء العلاج المناعي: يُعد العلاج المناعي أحد أنواع العلاجات الطبية التي تعمل على تحفيز الجهاز المناعي لمحاربة بعض الأمراض والحساسيات، ويشمل هذا العلاج استخدام الأجسام المضادة أو اللقاحات أو مواد بيولوجية أخرى لاستهداف خلايا أو جزيئات معينة في العملية المرضية.
يعمل العلاج المناعي للحساسية، المعروف باسم “حقن الحساسية”، على إزالة حساسية الجهاز المناعي تدريجيًا تجاه مسببات الحساسية المحددة، بهدف تقليل ردود الفعل التحسسية بمرور الوقت، وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من العلاج للأفراد الذين يعانون من الحساسية الشديدة التي لم تستجب للعلاجات الأخرى.
تجربة العلاجات البديلة: رغم أن الأبحاث في هذا المجال محدودة، إلا أن بعض الأشخاص قد يجدون راحة من أعراض الحساسية الموسمية من خلال العلاجات الطبيعية المنزلية، إلى جانب العلاجات التقليدية. تشمل هذه العلاجات العسل الطبيعي وغسيل الأنف بمحلول ملحي دافئ وبعض المكملات العشبية مثل نبات البوتربر والقراص، ولكن من الضروري استشارة الطبيب قبل البدء في أي علاجات عشبية، لأن بعضها قد يسبب آثارًا جانبية أو يتداخل مع بعض الأدوية
إجراء تعديلات على نمط الحياة: يمكن أن تساعد تغييرات بسيطة وفعالة في نمط الحياة على دعم الجهاز المناعي وتقليل الالتهاب، مما قد يخفف أعراض الحساسية؛ حيث يُنصح بتناول نظام غذائي صحي غني بالفواكه والخضروات وأحماض أوميغا 3 الدهنية، والتي قد تساعد في تحسين وظائف الجهاز المناعي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تقليل التوتر إلى تخفيف أعراض الحساسية، لأن الإجهاد يزيد من حدة التفاعل التحسسي. يُنصح بممارسة تمارين مثل التأمل واليوغا وتقنيات اليقظة الذهنية بشكل يومي
رغم أن حساسية الربيع قد تعكر صفو هذا الموسم الجميل، إلا أنه بالإلمام بالمعرفة الصحيحة واتباع الاستراتيجيات المناسبة، يمكن التحكم في الأعراض بشكل فعال، مما يسمح لك بالاستمتاع بجمال الربيع.
من خلال اتخاذ خطوات استباقية لتقليل التعرض لحبوب اللقاح واستكشاف خيارات العلاج المختلفة، يمكن تجاوز موسم الحساسية بسهولة أكبر واستعادة متعة قضاء الوقت في الهواء الطلق خلال الربيع؛ لذا، بينما تشاهدون الطبيعة تتجدد بألوانها الزاهية، لا تدعوا الحساسية تعيقكم، واستمتعوا بسحر الربيع كما تفعل الطبيعة نفسها بطاقة إيجابية وحيوية.
يمكنكم التواصل مع الدكتور سعيد قباعة على: said.qabbaah@gmail.com