كتبت وصورت: شاما كار، معلمة ومدربة يوغا الكونداليني ومرشدة صحيّة
بينما نسعى للحفاظ على نمط حياة طبيعي، لا يمكننا تجاهل سيل الأخبار العاجلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة. نحن نشهد نكبة ثانية تتكشف أمام أعيننا.
يذكرنا اليوم العالمي للاجئين هذا الشهر بضرورة دعم اللاجئين في جميع أنحاء العالم، فهم يملكون الحق في العودة إلى ديارهم، والحصول على الحماية، ومعاملة عادلة ومنصفة.
احتضان اليوغا في أوقات الاضطراب
يتجلى هذا الأمر بشكل خاص في حالة اللاجئين الفلسطينيين. فوفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، هناك أكثر من مليونَي لاجئ فلسطيني مسجل يعيشون في الأردن.
يصبح من الصعب تنمية الإحساس بالهدوء والسلام والروحانية في ظل استمرار الاضطهاد والمجازر والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون؛ حيث يُستهدف المدنيون، وخاصة النساء والأطفال، ولكن من خلال احتضان مبادئ اليوغا والتأمل، يمكننا أن نواجه هذه الأوقات العصيبة بإحساس من السلام والوعي الذاتي.
تتوالى المجازر الواحدة تلو الأخرى، ويصبح إيجاد السلام أمرًا صعبًا، خاصةً عندما يُجبر الفلسطينيون على العيش في خيام مؤقتة بظروف صحية سيئة، وطعام غير كافٍ، ورعاية صحية غير مناسبة، بل وحتى مواجهة خطر الحرق أحياء.
النوم يصبح بعيد المنال مع استمرار انتشار مقاطع الفيديو التي توثق هذه الفظائع، وكل واحدة منها أكثر إيلامًا من التي قبلها.
كائنات النور
ولكن إذا كنا نسير على طريق روحي، فإن من واجبنا ككائنات نور ألا نسمح لسلوك الآخرين أن يطفئ نورنا الداخلي، وكما يقول”الدالاي لاما”: “لا تدع سلوك الآخرين يدمّر سلامك الداخلي”.
لأجل أن نصبح منارات نور وننشر الوعي حول حقوق اللاجئين حول العالم، من الضروري أولًا أن نؤسس لسلام داخلي، حتى وسط ألسنة اللهب وذبح الأطفال، لا بد من السلام الداخلي.
قد يبدو اقتراح السلام في مثل هذه الأوقات أمرًا غير قابل للتصديق، لكن ما الخيار الآخر إن كنا نطمح أن نكون معالجين وقادة روحيين؟
السلام الداخلي
في تعاليم اليوغا، يتحدث الحكيم باتانجالي عن”سانتوش”، وهي ثاني”نياما”، حيث تعني “نيا” الداخل و”ياما”تعني التنظيم.
النيامات هي مبادئ تهدف إلى توجيه وحماية عالمنا الداخلي، وتشكيل علاقتنا مع أفكارنا ومشاعرنا وكلماتنا وبيئتنا.
إحدى هذه النيامات هي «سانتوشا» والتي تعني الرضا السلمي، وهو سلوك يمكننا جميعًا تنميته، تمامًا كعضلة يمكن تقويتها بالمشي أو الركض.
سانتوشا (السلام) تعكس معنى كلمات مثل “شانتي” و”سانت” و”إسلام”، وكلها تشير إلى السلام، لكن للوصول إلى السلام، يجب أولًا خلق هدوء داخلي يؤدي إلى الإحساس بالسكينة والطمأنينة؛ لذا فإننا نحتاج إلى إيجاد الهدوء في بيئتنا وتهدئة عقولنا حتى نتمكن من تجربة السلام الداخلي.
لكن كيف يمكن تحقيق ذلك وسط ضجيج مقاطع الفيديو المقلقة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرض مشاهد صادمة لأفعال شيطانيّة؟ كيف يمكن للمرء أن يجلس في سكون ويتأمل بينما يذبح الأبرياء، خصوصًا الأطفال، على بُعد كيلومترات قليلة؟
الرجوع إلى الداخل
حينما يكون العالم الخارجي مليئًا بالمعاناة، تصبح الحاجة إلى التوجه للداخل وتنمية حالة من السلام الداخلي أكثر إلحاحًا، وفي الحقيقة، هو الخيار الوحيد المتاح، لأن لدينا سيطرة أكبر على عالمنا الداخلي مقارنة بالعالم الخارجي.
نياما أخرى تساعدنا على اجتياز هذه التحديات هي «ساوتشا» والتي تعني نقاء الأفكار والكلام والإدراك، وتشمل ساوتشا النظافة الجسدية والصفاء الذهني، عندما نمارس ساوتشا (النقاء)، ننمّي شعورًا بالبراءة والنقاء ينعكس في أفعالنا وتفاعلاتنا. تسمح لنا هذه الحالة من النقاء برؤية العالم بعيون جديدة، خالية من تشويهات السلبية، وتعزز اتصالًا أعمق مع ذواتنا الحقيقية والعالم من حولنا.
عندما يكون الجسد والعقل في حالة نقاء (ساوتشا)، يصبح من الأسهل على الجهاز العصبي والجهاز الغُدّي أن يتحمل ويتفاعل مع الصدمات العاطفية، وبالتالي، بدلاً من رد الفعل السريع نتيجة عدم القدرة على استيعاب الصدمة، يصبح بالإمكان الرجوع إلى الداخل والهدوء أثناء معالجة الشعور والاحتفاظ بالصدمة.
يؤدي ساوتشا إلى سانتوشا (السلام). لنتخيل جسدًا مائيًا ساكنًا خاليًا من التموجات. إنه هادئ وساكن، تلك هي النوعية التي ينبغي أن نزرعها داخل أنفسنا مهما كانت الظروف الخارجية.
ذهن هادئ
ساوتشا، أو النقاء، تمثل الأساس لذهن هادئ؛ فإذا كانت أفكارنا مشوشة بالسموم والأوهام، فلن تكون عقولنا صافية، مما يصعّب علينا الوصول إلى سانتوشا (الرضا)، وبالمثل، إذا كنا غاضبين وننطق بكلام مليء بالاتهام، فلن يكون حديثنا هادئًا ولا ساكنًا.
اختيار سانتوشا وممارسة السلام الداخلي لا يعني الاستسلام السلبي للواقع، أو التغاضي عمّا يحدث في العالم، فذلك يُعتبر استسلامًا زائفًا أو تجاهلًا روحيًا.
سانتوشا ليست شكوى دائمة، فالشكوى تخلق فراغًا في واقعنا المشترك وتُشتت الانتباه عن اتخاذ إجراءات فعّالة.
تنمية الرضا والسلام
الرضا الحقيقي (سانتوشا) يدرك مسؤوليتنا في التعبير عندما يلزم، وفي الصمت عندما تكون كلماتنا مجرد ضجيج إضافي. بتجنب الشكوى، نخلق مساحة لأفعال واعية ومدروسة بدلًا من الأنماط التفاعلية، يسمح التصرف بلا شكوى بالوضوح والهدف، سانتوشا الحقيقية تعني أن نكون ديناميكيين بوعي وسلام.
عندما نمارس ذلك باستمرار، حتى عندما يكون الأمر صعبًا، فإننا نشجع أنفسنا مرارًا على البقاء هادئين ومركزين، وهنا يُزرع الرضا والسلام الحقيقي.
بينما نُحيي اليوم العالمي للاجئين، فلنتذكّر كلمات الفيلسوف الصيني القديم ومؤسس الطاوية”لاو تزو”:”إن كان هناك سلام في العالم، فلا بد أن يكون هناك سلام في الأمم، وإن كان هناك سلام في الأمم، فلا بد أن يكون هناك سلام في المدن، وإن كان هناك سلام في المدن، فلا بد أن يكون هناك سلام بين الجيران، وإن كان هناك سلام بين الجيران، فلا بد أن يكون هناك سلام في البيت، وإن كان هناك سلام في البيت، فلا بد أن يكون هناك سلام في القلب”.
فلنلتزم بالعمل من أجل السلام والعدالة، بدءًا من قلوبنا من خلال ممارسة مبادئ سانتوشا وساوتشا، ثم نسمح لهذا السلام أن ينتشر في العالم.
يمكنكم التواصل مع شاما كار على: askme@shama-kaur.com