تحديات الزواج: جفاء عاطفي أم شجار مستمر؟

كتبت: مريم حكيم

مستشارة في العلاقات الزوجية

عندما أقابل الأزواج في جلسات العلاج، فإن الشجارات عادة ما تكون حول المال، أو بيت الحمو، أو العلاقة الحميمة، أو الأطفال، وأراهم يظنون أنهم سيعيشون بسعادة أبدية إذا تغير الطرف الآخر، ولكن الحقيقة أن هذه التحديات تشير إلى ما هو أعمق، وهو الانفصال العاطفي.

تشير إحدى مؤسسي العلاج العاطفي emotionally focused therapy، الدكتورة سو جونسون، إلى أن الأزواج المنفصلين عاطفيًا لا يشعرون أن شركاءهم يقفون إلى جانبهم، أو يستجييون لحاجاتهم، ويشعرون أنهم ما عادوا يعنون شيئًا لأزواجهم، وكلا الزوجين يشعران بأنهما منتقدان دائمًا وغير مقبولين، و يشعرون بالوحدة، ويساء فهمهما، وبعبارة أخرى، فإن الطرف الآخر لا يستجيب عاطفيًا لهم.

يعتمد العلاج العاطفي على نظرية التعلق، التي تؤكد أن البشر مفطورون على تكوين روابط عاطفية قوية وآمنة مع الآخرين؛ وذلك للنجاة والنماء وتلبية الاحتياجات، وحينما يشعر الشخص أن الطرف الآخر في العلاقة الزوجية مبتعد عاطفيًا، وغير حاضر أو مستجيب، فإن هذه الرابطة ستهتز من الجذور، مما يغرقهم في الحزن، والغضب، والشعور بالأسى والخوف، وللتعامل مع هذه الخسارة والإنفصال هناك طريقان:

1. الأزواج السعداء الذين تجمعهم علاقة قوية: يعربون عن حاجاتهم بوضوح ومحبة بطريقة تجعل الطرف الآخر يستمع لهم، ويستجيب لهم بصورة إيجابية، مما يساعد على اعادة بناء وتقوية الرابط العاطفي بينهم، وإصلاح أي ضرر حل بعلاقتهم.

2. الأزواج غير السعداء الذين تجمعهم علاقة مهزوزة: ربما لا يستطيعون التعبير بوضوح عن حاجاتهم، ولذلك يستخدمون واحدة من هذه الاستراتيجيات الخاطئة: إما أن يطالبوا بحاجاتهم بغضب، ويضغطوا على شركائهم للاستجابة لهم، أو ينغلقون على أنفسهم وينسحبون من العلاقة وذلك لتجنب الخلاف وحماية أنفسهم.

أول خطوة لتجاوز الأنماط الهدامة هي معرفتها، وإليكم ثلاث استراتيجيات غير ناجحة تؤدي إلى تدهور العلاقات الزوجية:

إيجاد الشخص السيء: هذا النمط شائع في بداية العلاقة الزوجية، فكل طرف يسعى بأن يضع اللوم على الشخص الآخر عن طريق الانتقاد، وإطلاق الألقاب، والإلحاح، والصراخ، والبحث عن عيوب الآخر، ولأنه يصعب الاستمرار بهذا الهجوم المستمر من الطرفين فسرعان ما يقع الزوجان في النمط الثاني، وهو النمط الأكثر استمرارية في العلاقات.

نمط الاحتجاج: أحد الطرفين يتعب من الشجار والهجوم المستمر، فيلجأ من أجل حماية نفسه وشريكه من خلافات مستقبلية إلى الانسحاب التدريجي، ليصبح أقل حضورًا في العلاقة مع الوقت، وينغلق على نفسه وينسحب عاطفيًا، فينتج عن ذلك تكوّن نوعين من الأزواج في العلاقة: الزوج اللحوح، والزوج المنسحب:

 
اللحوحون: يلجأون إلى الهجوم، والإلحاح، والضغط، والانتقاد، فهي (أو هو) تخاف من الشعور بالرفض، وألا تكون أولوية في حياة زوجها، فتلح للحصول على الاهتمام.

 
المنسحبون: ينطوون على انفسهم، وينسحبون من النقاشات اما بالتزام الصمت، أو مغادرة المكان في بعض الأوقات، فهو (أو هي) يخشى ألا يكون جيدًا كفاية بالنسبة لزوجته (فالزوجة دائمًا ما تنتقد وتبدو غير راضية)؛ ولذلك يفقد الأمل وينسحب.

بزيادة انفصال الطرف المنسحب عن العلاقة (ليحمي نفسه والعلاقة)، يزداد الضغط من الطرف اللحوح (للحصول على الطمأنينة والشعور بالأهمية)، مما سيدفع الطرف المنسحب إلى الابتعاد أكثر، وذلك يدفع اللحوح إلى الزيادة في الإلحاح.

يعتقد المنسحبون مخطئين أنهم يقومون بعمل جيد من أجل الحفاظ على علاقتهم، ولكن لنجاح العلاقات وسيرها على ما يرام، فإنه على الطرفين الحضور والاستجابة عاطفيًا، فإبعاد الطرف الآخر يفسر على أنه رفض، وتشير آخر البحوث إلى أنالاستجابة العاطفيةهي العامل الأساس في نجاح العلاقة، أو فشلها.

هناك شعور خفي يقود تصرفات كلا الطرفين المنسحب واللحوح، وهو الخوف من الانفصال العاطفي، وخسارة الطرف الآخر، ولكن التعامل بالانسحاب او الالحاح لا يحل المشكلة وانما يزيد من مخاوف الطرف الآخر.

التوقف والهرب: عاجلًا أو آجلًا سيتوقف اللحوحون عن محاولة جذب انتباه الطرف المنسحب، وينسحبون بدورهم، فبعد أن يدركوا أن محاولاتهم تبوء بالفشل، يدخلون في حالة حزن على علاقتهم، ثم ينفصلون ويبتعدون عاطفيًا، وحينها:

 
سيكون الزوجان مؤدبين، ودودين تجاه بعضهما البعض وسيكون تعاملهم رسميًا

 
لا يحاول أي منهما التواصل مع الآخر والمخاطرة.

 
تقتصر نقاشاتهم على الجوانب المادية، والنفعية من حياتهم.

 
لن يكون هناك شجارات ولا مشاحنات، ولكن ليس هناك تواصل عاطفي، واستعادته تبدو ميؤوسًا منها.

في بعض الأحيان يتنبه الطرف المنسحب على ما توصلت الية العلاقة من انفصال عاطفي، ويبدأ إما بالقراءة عن العلاقات، أو يدفع باتجاه الاستعانة بالعلاج لإنقاذ العلاقة، ولكن إذا لم يحصل الزوجان على المساعدة، فسيستمرون على الحال نفسها، وستأتي لحظة يستحيل عندها تجديد الثقة، وإحياء العلاقة المحتضرة.

استعادة التواصل: الجميع سيجدون أنفسهم يومًا ما واقعين في أحد هذه الأنماط، وللبعض ستكون مجرد مراحل عابرة في علاقة آمنة، أما للأشخاص الذين تربطهم علاقة أقل أمانًا، فإن استجاباتهم وردود أفعالهم ستصبح عادة، وستسيطر على العلاقة، ولذلك على الأزواج أن يوقنوا أن العدو الحقيقي هو ليس الطرف الآخر في العلاقة، ولكنه النمط الهدام الذي أسهم كلاهما في خلقه.

يهدف العلاج العاطفي إلى استعادة التواصل العاطفي، ويساعد الزوجين على تشكيل رابطة محبة وآمنة، ويمكنكم إصلاح هذه العلاقة بزيارة أحد المعالجين المختصين في العلاج العاطفي أو قراءة الكتابين باللغة الإنجليزية Hold Me Tight و Love Sense للمؤلفة الدكتورة سو جونسون

هل أنتم منفصلون عاطفيًا؟

 
هل تشعرون أنه لا يمكنكم التواصل مع الطرف الآخر كما في السابق؟

  هل تشعرون أنه يساء فهمكم، أو لا يتم تقديركم في العلاقة؟

  هل تنطفئ الشرارة التي تجمعكم؟

  ألا يمكنكم التوقف عن الشجار؟

  هل تجدون شجاراتكم تتبع نمطًا سلبيًا؟

Nakahat Ailiyeh