كتبت: رانية السعدي، اختصاصية صحة نفسية وممارسة في البرمجة اللغوية العصبية
كثيرًا ما نسمع عن الذكاء العاطفي (EQ) وأهميته في تحسين جودة علاقاتنا مع من حولنا، وبالتالي تعزيز جودة حياتنا بشكل عام.
لكن، ما معنى أن تكون شخصًا يتمتع بالذكاء العاطفي؟ وكيف يمكن اكتسابه؟
الذكاء العاطفي هو المهارة والقدرة على فهم مشاعرنا، حتى نتمكن من تنظيمها. الشخص الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يكون دائمًا على تواصل مع مشاعره، كما يعرف عنه تمتعه بدرجة عالية من التعاطف، مما يساعده على فهم مشاعر الآخرين من خلال وضع نفسه مكانهم، وبالتالي، فهو لا يكون على تواصل مع ذاته فقط، بل يكون أيضًا أكثر تواصلًا مع الآخرين، مما يعزز الروابط الصحية والقوية.
تفريغ المشاعر المكبوتة
يجد معظم الناس صعوبةً في فهم مشاعرهم السلبيّة، مثل الغضب أو الحزن أو الذنب، والتعامل معها؛ فهي مشاعر غير مريحة، وغالبًا ما يلجأ البعض إلى تجنبها أو تشتيت الانتباه عنها أو حتى تخديرها.
ومع مرور السنوات، تتراكم هذه المشاعر المكبوتة في الجسد دون مخرج لها، فتظهر لاحقًا على شكل أعراض جسدية مثل الصداع النصفي، والقرحة، والقولون العصبي، أو مشاكل في المثانة وحتى السرطان.
وهنا تظهر فائدة الذكاء العاطفي، فهو يساعدنا على فهم هذه المشاعر والاعتراف بها والتخلص منها؛ فتفريغ المشاعر المكبوتة أولًا بأول يحمي من مشاكل صحية وجسدية ونفسية لاحقة.
كيف نقوم بذلك؟
من خلال تطبيق معادلة “ألف الثلاثية” (Triple A)، يمكننا تفريغ مشاعرنا المكبوتة:
1. اعتراف (Acknowledge): من خلال تسمية الشعور والاعتراف بوجوده، والسماح له بأن يكون
2. القبول (Accept): علينا أن نتقبّل أن الشعور بهذا الإحساس هو أمر طبيعيّ، حتى وإن كان سلبيًّا.
علينا أن نقول لأنفسنا: «من الطبيعي أن نشعر بالغضب أو الحزن أو الغيرة، فهذه مشاعر إنسانية عادية، ولا عيب في ذلك»
3. التعبير (Articulate): وذلك من خلال التعبير عن المشاعر، بأن نقول:”أشعر بالغضب لأن …” أو “أشعر بالقلق لأن”، وأن نترك ما بداخلنا يخرج
الاعتراف، والقبول، وفهم سبب وجود هذه المشاعر هو المفتاح للتخلّص منها.
المشاعر الأساسية
نولد جميعًا بخمسة مشاعر أساسية، وهي الخوف والغضب والذنب والألم والحزن.
ولكل مشاعر منها رسالة ووظيفة. وفهم سبب وجود هذه المشاعر، أي التعبير عنها، يساعدنا في التخلص منها. إليكم بعض الأمثلة:
الخوف: عادة ما يكون موجودًا لحمايتنا، وهي رسالة في ذهن الشخص المتوتر تقول ما يلي:”إذا كنت دائمًا واعيًا، ومنتبهًا لكل ما يحدث حولي. سأكون مستعدًا للأشياء السيئة عندما تحدث، وبالتالي يمكنني التعامل معها بشكل أفضل”. الحقيقة هي أن الخوف يقيّنا ويمنعنا من التعامل مع أي شيء على الإطلاق. فهم هذا يساعدنا على السيطرة على هذه العاطفة وتقليلها في نظامنا في النهاية
الغضب: يولد عادة عندما يشعر شخص ما بأنه لا يحصل على الانتباه الكافي، وبالتالي يشعر بأنه غير مهم أو مقدّر بما فيه الكفاية. هذا هو الوقت الذي يبدأ فيه الغضب بالتسلل إلى نظام الشخص، كآلية للتكيف. إنه الحل الذي يقدمه العقل الباطن لتأكيد وجود الشخص، وإثبات وجوده والحصول على الانتباه
الذنب: يمكن العثور على الشعور بالذنب لدى”الشخص الذي يسعى لإرضاء الآخرين”. قد يرغب المرء في إسعاد الجميع وبالتالي يشعر بالمسؤوليّة عن ذلك. بما أن هذا يجعلنا نقوم بـ “مهمة مستحيلة”، فقد هيأنا أنفسنا للفشل. عندما يحدث هذا، نشعر بالإحباط وخيبة الأمل. سيعمل الشعور بالذنب كمحرك يبقينا عالقين في تلك الدورة.
هذه أمثلة توضح كيف أن لكل شعور وظيفة ودور في حياتنا، وعندما نتقبل هذه الحقائق ونعترف بها، نستطيع فهم الرسالة التي تحملها المشاعر، والتخلص منها.إن التناغم مع مشاعرنا هو المفتاح الذي يساعدنا لزيادة الذكاء العاطفي؛ فعندما نكون متصالحين مع مشاعرنا، سنكون أكثر قدرة على استشعار وقراءة مشاعر الآخرين أيضًا، وبالتالي التواصل معهم على مستوى أعمق، مما يؤدي إلى علاقات أكثر صحة وازدهارًا.
يمكنكم التواصل مع رانيا السعدي على raniasaadi75@gmail.com