كتبت وصورت: شاما كار، معلمة ومدربة كونداليني يوغا ومرشدة صحيّة
في رمضان، نخوض رحلة تتجاوز الامتناع الجسدي عن الطعام؛ حيث نستكشف الفوائد الصحيّة العميقة للصيام ونسعى للحفاظ على جوهره الروحي الذي تضاءل في العصر الحديث.
لنكون معًا في اكتشاف العلاقة الحقيقية بين اليوغا والصيام للعقل والجسد والروح؛ حيث نبحث عن طرق للارتقاء بتجربة الصيام إلى مستوى روحي أسمى.
اليوغا، المشتقة من الكلمة السنسكريتية “يُوج”، تعني اتحاد الجسد والعقل والروح، وبالمثل، فإن الصيام عند ممارسته بوعي يمكن أن يكون أداةً قويّةً لتنقية هذه الأبعاد الثلاثة من كياننا، لنتعمق في فنّ الصيام وإمكاناته في توحيد الجسد والعقل والروح بطريقة تحولية.
الجسد والصيام
الصيام يمنح جهازنا الهضمي فرصةً للراحة، وكأنّه زر إعادة ضبط للجسم، عندما نمتنع عن تناول الطعام لفترة، فإنه أشبه بإتاحة الفرصة لجهازنا لتنظيف نفسه والتخلص من السموم المتراكمة.
هذا التوقف عن الهضم المستمر يحوّل تركيز الجسم نحو الشفاء والتجدد، مما يخلق إحساسًا عميقًا بالتنقية الداخليّة، ومع استراحة الجهاز الهضميّ، فإنّه يحظى بفرصة لإعادة التوازن والعمل بكفاءة أعلى؛ لذا، فإن هذه الوقفة الواعية للصيام ليست مجرد تطهير جسدي، بل هي أيضًا استراحة منعشة للجسم بأكمله، مما يهيئه لحالة من العافية الشاملة.
التنقية
قد لا يكون الصيام تجربة سهلة دائمًا، فقد نشعر بالدوار أو الصداع أو التعب، لكن الجانب الإيجابي هو أن هذه الأعراض تشير إلى أن الجسم يمر بعملية تطهير ضروريّة.
كلما أصبح نظامنا الداخلي أنقى، ازدادت حساسيتنا تجاه تأثير الأطعمة المختلفة، لنفكر في الأمر، جميعنا قد تفاجأ يومًا بكمية الطاقة التي نحصل عليها من مجرد تمر وكوب ماء أو حليب، هذه اللحظات من الإدراك المتزايد تذكّرنا بأن الجسم ينظّف نفسه ويطور فهمًا أعمق لما يغذّيه حقًا.
يكمن جوهر الطعام في دعم دور الجسد لمساعدة العقل على أداء مهامه. عندما يحتاج الجسم إلى طاقة لعقلٍ مرهق، علينا اختيار الأطعمة الغنية بالسكر الطبيعي مثل الموز والتمر والمانجو والفواكه المجففة، أما عندما يكون العقل بحاجة للاسترخاء لكنّ الجسم متوتر، فإنّ علينا اختيار الأطعمة الغنية بالماء مثل الخيار والبطيخ والشمام والخس والخضروات الورقية لتهدئته.
الغذاء كدواء
يجب أن يُنظر إلى الطعام على أنه دواء ووسيلة لتغذية الروح، وهو مفهوم متجذر في الأيورفيدا. في هذا الشهر، عندما نفطر بتمرة وكوب ماء، لنتوقف للحظة قبل تناول الوجبة الرئيسية ونسأل أنفسنا: لماذا نتناول الطعام؟ هل هي مجرد عادة، أم استجابة لضغط اجتماعي، أم خوف من الجوع لاحقًا؟ لنستكشف الغرض الواعي خلف كل لقمة.
العقل والصيام
الصيام هو رحلة قوية لاكتشاف الذات؛ حيث يعيد إحياء قوة الإرادة وقوة العقل. من المدهش كيف يمكننا، وسط رغباتنا الشديدة لتناول لقهوة أو الشوكولاتة أو الماء أو الطعام، أن نفرض سيطرتنا على الجسد.
لكن التحدي يظهر عندما تتسبب السموم المتراكمة في الجسم في إضعاف سيطرة العقل، فبعض الأطعمة تعمل مثل المخدرات؛ حيث تحفّز رغبات إدمانية عبر إنتاج مواد كيميائية تؤثر على الدماغ، ومن بين أبرز هذه الأطعمة الحلويات والأجبان والكافيين ومنتجات القمح المكرر والمشروبات السكرية.
قوة الإرادة
عند إدراك أن جوهر الأكل هو الحفاظ على الحياة، يمكننا مواءمة إرادتنا مع رغبة واعية في التغذية السليمة، هذا التحول الفكري يمنحنا القوة لنقول “لا” للرغبات والإدمان، مما يمهّد الطريق لعلاقة أكثر صحة مع الطعام.
ما دمنا نملك القدرة على الامتناع عن الطعام والماء لمدة 61 ساعة يوميًا خلال رمضان، فلماذا لا تمتد هذه القدرة إلى رفض الأطعمة والسلوكيّات الإدمانيّة، مثل التدخين المفرط، ليس فقط أثناء الصيام، ولكن بعده أيضًا؟
الاعتدال هو المفتاح. إذا كنا نرغب في تجنب تناول هذه الأطعمة، فيمكننا استبدالها بعدة بدائل، مثل العسل الطبيعي والفواكه وذلك لإشباع الرغبة في تناول السكر، ويمكننا تناول شاي الأعشاب للمساعدة في كبح هذه الدوافع والحفاظ على توازن صحي.
جرس إنذار
الصيام بمثابة جرس إنذار عميق، يذكّرنا بأننا قادرون على العيش دون الارتباط الدائم بالطعام والماء، إنها فرصة فريدة لنشعر بمعاناة من لا يجدون قوتهم طوال اليوم، ومن خلال هذه التجربة، نواجه حقيقة مدى استهتارنا بنعمة الطعام، وغالبًا ما نستهلكه بدافع المتعة أو الملل فقط.
يكشف الصيام مشاعرنا الخام، ويضعها أمامنا بوضوح؛ ففي لحظات الملل أو الحزن أو الخوف أو الغضب أو الإحباط، تصبح آليات التأقلم المعتادة، مثل تناول مشروب أو قطعة شوكولاتة أو كوب قهوة، غير متاحة.
هذا الغياب يدفعنا إلى مواجهة مشاعرنا بشكل مباشر، ليصبح الصيام أداة قوية لإعادة التواصل مع ذواتنا وتحمل مسؤولية مشاعرنا، والتعامل معها كإشارات توجهنا نحو مسار جديد، تمامًا كما تفعل إشارات المرور، الأحمر يطلب التوقف والأخضر يدفعنا للاستمرار والأصفر يدعونا للتوقف والتفكير وإعادة التقييم.
خلال شهر رمضان الحالي، لنحاول أن نرتقي بتجربة الصيام عبر السيطرة على المشاعر التي تنبثق بداخلنا، ونتعامل معها بوعي ورقي من خلال تقبلها واستيعابها.
عندما نواجه مشاعر قوية قد تدفعنا للصراخ أو ضرب المكتب أو تناول مشروب ما، لنتوقف للحظة، ونتأمل في الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر، ثم نسأل أنفسنا: ماذا تحاول هذه العاطفة أن تكشف لي عن ذاتي؟ إنها فرصة لاكتشاف أعمق لأنفسنا.
اليوغا والصيام
مع كل ما نعرفه عن الصيام، فوائده وتحدياته، كيف يمكن لليوغا أن تساعد في هذه الرحلة؟
في عالم اليوغا، يلعب التنفس العميق أو “براناياما” دورًا داعمًا أثناء الصيام؛ فكلمة “برانا” تعني قوة الحياة، بينما “ياما” تعني التحكم أو التنظيم، وبالتالي، تساعدك تقنيات “البراناياما” على توجيه طاقتنا الحيوية وتنظيمها وإعادة توزيعها من خلال أنماط تنفّس محددة.
تقنيات البراناياما لدعم الصيام
التنفس عبر فتحة الأنف اليمنى: عندما نشعر بالخمول أو الإرهاق أو بانخفاض مستويات الطاقة، يمكننا تجربة هذه التقنية:
الجلوس في وضع مريح مع استقامة العمود الفقري
وضع اليد اليمنى في وضعية “جيان مودرا”، ورفع اليد اليسرى أمام الوجه مع جعل راحة اليد متجهة نحو اليمين
جمع أصابع اليد معًا بحيث تكون مستقيمة ومتجهة للأعلى
استخدام جانب الإبهام للضغط برفق على فتحة الأنف اليسرى لإغلاقها
أخذ أنفاسٍ طويلة وعميقة عبر فتحة الأنف اليمنى فقط، شهيقًا وزفيرًا
الاستمرار لمدة ثلاث دقائق، ثم أخذ شهيقٍ عميقٍ، وحبس النفس بشكل مريح لمدة 01-03 ثانية، ثم يمكننا الزفير والاسترخاء
التنفس بالتناوب بين فتحتي الأنف
عندما نشعر برغبة شديدة في الطعام أو بعدم توازن عاطفي، يمكننا تجربة هذه التقنية:
الجلوس في وضع مريح مع استقامة العمود الفقري
وضع اليد اليسرى في وضعيّة «جيان مودرا» وتركها على الركبة اليسرى
إغماض العينين بلطف وتوجيه التركيز إلى نقطة الحاجب؛ أي أعلى الأنف حيث يلتقي الحاجبان
استخدام الإبهام لسد فتحة الأنف اليمنى، ثم أخذ شهيقٍ عميقٍ عبر الفتحة اليسرى
عند امتلاء الرئتين، استخدام الخنصر أو السبابة لسد فتحة الأنف اليسرى، وإطلاق الإبهام عن الفتحة اليمنى
إخراج الزفير بسلاسة من فتحة الأنف اليمنى
بعد الزفير الكامل، نعيد هذه الدورة مجددًا عبر الشهيق من الفتحة اليسرى
الاستمرار لمدة ثلاث دقائق، مع الحفاظ على أنفاس طويلة وعميقة ومنتظمة
في النهاية، نأخذ شهيقًا عميقًا ونحبس النفس لمدة 01-03 ثانية، ثم يمكننا الزفير والاسترخاء
التنفس الهامس (سيتكاري)
عند الشعور بالعطش الشديد أو الحرارة الزائدة، يمكننا تجربة هذا النفس المبرّد:
الجلوس في وضعية “سوكهاسانا”؛ أي وضعية الجلوس المريحة أو أي وضع تأملي مريح
إطباق الأسنان معًا، وثني اللسان إلى الخلف والضغط بطرفه المطوي على الأسنان
أخذ شهيقٍ عبر الأسنان المطبقة، مع إصدار صوت هسهسة، إلى حين الشعور ببرودة النفس تنتشر في الجسم
إطلاق الزفير عبر الأنف مع إبقاء الفم مغلقًا بإحكام
تكرار العملية، بدءًا بثلاث جولات ثم زيادتها تدريجيًا إلى خمس، ثم عشر جولات
تنفس النار (UNDALINI YOGA)
يمكننا استخدام هذه التقنية عند الشعور بالدوار أو الصداع أو الصخب الذهني، أو عندما يكون العقل مشوّشًا وغير مركّز، وذلك باتّباع الخطوات التالية:
الجلوس باستقامة ووضع اليدين في وضعية الصلاة
إغماض العينين جزئيًا، وتوجيه التركيز إلى نقطة الحاجب
البدء بتنفس النار لمدة 1-3 دقائق
بعد ذلك، نقوم بأخذ شهيقٍ عميقٍ ونحبس النفس لمدة 01 ثوانٍ، ثم نقوم بإطلاق الزفير والاسترخاء
وضع اليدين على الركبتين في وضعية «جيان مودرا»، ومراقبة تدفّق الأنفاس بشكل طبيعي
الاستمرار لمدة ثلاث دقائق، ثم أخذ شهيقٍ عميقٍ وزفير
تكرار هذه الجلسة 3-5 مرات
لمزيد من التفاصيل، يمكن مشاهدة الفيديو هنا: https://www.youtube.com/watch?v=c1uVJLZGb_M
يمكنكم التواصل مع شاما كار على: askme@shama-kaur.com