كتبت: رانيا السعدي، اختصاصية في الصحة النفسية وممارسة في البرمجة اللغوية العصبية
xx
إن أحد أكثر التحديات شيوعًا التي تواجهها الأمهات والآباء مع أطفالهم المراهقين هي كيفية مساعدتهم على إدارة قلقهم دون الاستخفاف بحقيقة مشاعرهم في تلك الفترة. واليوم أكثر من أي وقت مضى، شهدت مستويات القلق لدى الأطفال والمراهقين نموًا ملحوظًا لا سيما بعد التبعات المرهقة لجائحة كوفيد – 19.
xx
بحكم التعريف، يشير القلق إلى الإفراط في التفكير في أمورٍ قد يكون حدوثها لا يتعدى كونه أمرًا محتملًا. كما أنّ المصطلح يرتبط ارتباطًا وثيًقا بفقدان السيطرة على بعض الأمور في حياتنا. لكن لماذا نعاني جميعًا منه بطريقة أو بأخرى؟ إنّ القلق بصورة عامّة هو أحد المشاعر الأساسية التي تُولد معنا كأشخاص. إذ تكمن ضرورته في حقيقة أننا بحاجة لوجوده في سبيل البقاء على قيد الحياة. فنحن عندما نواجه خطرًا ما، تُطلق أجسامنا هرمونات الكورتيزول والأدرينالين لتنشيط استجابة“الهروب أو القتال”. وقد عرفت هذه الوضعية منذ زمن بعيد، حيث تم استخدامها في المواقف التي تشكّل تهديدًا للحياة، مثل مواجهة دبّ مفترس في الغابة. ومع ذلك، لا تزال أذهاننا مبرمجة للتعامل بشكل مشابه مع ضغوطات العصر الحديث، ومنها: عدم القدرة على سداد الفواتير أو العثور على وظيفة جديدة أو الذهاب إلى مقابلة أو قبل الدخول إلى امتحان معيّن. وفي هذا السياق، يعاني الكثير من الناس من القلق، لا سيّما المراهقين الذين يمرون بتغيرات جسدية وهرمونية، وضغوطات تتمثل في محاولة صوغ هويتهم الجديدة وتحدي التأقلم معها. أضيفوا إلى ذلك افتقار هؤلاء المراهقين إلى المهارات والأدوات التي تمكنهم من التنقل في خضمّ هذه الرحلة المجهولة وإدارة المشاعر الجديدة غير المريحة.
xx
كيف يمكننا تقديم الدعم ليافعينا في مرحلة المراهقة؟
عندما يختارنا أبناؤنا للتعبير عن مشاعرهم المتداخلة، يمكننا:
1. الاستماع إليهم بعناية تامّة، وبقولي الاستماع، لا أقصد فقط سماع حديثهم، بل علينا استخدام حواسنا الخمسة ولغة الجسد لاحتواء أطفالنا بشكل أفضل. ومن الجدير بالذكر أن لغة الجسد تجسد حوالي 55% من تواصلنا اليومي. لذا، فإن الحفاظ على التواصل البصري مع يافعينا أثناء حديثهم، يعتبر بمثابة رسالة تُشعرهم باهتمامنا بمعرفة المزيد، وبالتالي تشجيعهم على قول كل ما يشعرون به
2. عدم مقاطعة حديثهم عبر البدء باقتراح الحلول؛ بل يبنغي علينا الانتظار حتى يُتمّوا التعبير عن أنفسهم
3. فلتبنّى عقلية منفتحة؛ فلا نحكم على المشكلة من وجهة نظرنا كأشخاص بالغين، ومحاولة نقدها بناءً على معرفتنا وخبراتنا، بل علينا أن نحاول رؤية الأمور من منظور يافعينا الخاص
4. الاعتراف بحقيقة مشاعرهم وأفكارهم ومخاوفهم حتى مع اختلافنا عليها. فلا نتجاهلهم أو نقلّل من شأن أفكارهم. وبدلًا من ذلك، علينا إخبارهم ببعض العبارات مثل: “أنا أتفهّم الأمر، لا بدّ وأنه يشقّ على نفسك” إذ ستلعب هذه الكلمات دورًا كبيرًا في خلق الألفة بينكما
5. لنتذكّر على الدوام أنّنا قد نكون في كثير من الأحيان ملجأً للأشخاص الذين يرغبون بالتنفيس عن أنفسهم فقط دون محاولة البحث عن حلول. لذا، فلنتجنب اقتراح الحلول على هؤلاء الأشخاص إلا بعد سؤالهم عمّا إذا كانوا يرغبون في سماع مقترحاتنا. فإذا رحبّوا بذلك، نبدأ حينها بإقرار ما شاركوه (المشكلة) ثم نقترح الحلول التي نراها مناسبة لحل مشكلتهم. فقد نقول على سبيل المثال، “أوافقكم الرأي بشأن صعوبة الموقف الذي ذكرتموه آنفًا، واسمحوا لي أن أُسدي بنصيحتي وهي أنه بإمكانكم دائمًا … (ثم تذكروا اقتراحكم). إنّ اعتمادكم لهذه الصيغة سيسهم في تهدئتهم على الفور والسماح لهم بالاستجابة بشكل أكبر لأي اقتراح تقدمونه
6. تقديم الحلول الخاصة بكم على شكل“خطوات”هو أيضًا طريقة أخرى للقيام بذلك، لأن القلق، كما ذكرت سابقًا، يرتبط بفقدان السيطرة على الأمور. لذا، فإن تزويد يافعيكم بالخطوات التي ينبغي بهم اتباعها، سيمنحهم بلا الشكّ الشعور باستعادة السيطرة على كافة الأمور
7. فلنثني على جهودهم في التغلب على التحديات التي يمرّون بها، إذ نمنحهم بذلك الثقة في أنفسهم والقدرة على مواجهة القلق الذي قد يواجهونه في المستقبل
8. لنتذكّر أن أطفالنا يفضّلون الاقتداء بنا وبتصرفاتنا أكثر من اتباع نصائحنا، لذلك، فإن إدارتنا الصحيحة لمشاعر التوتر والقلق التي تعترينا شخصيًا، سيكون لها الأثر الإيجابي على الحالة المزاجية العامة لأطفالنا
xx
يمكنكم التواصل مع رانيا السعدي على raniasaadi75@gmail.com