كتبت: سارة النابلسي
في عمر الواحدة هي تتحدى الجاذبية، وقلبها الصغير ممتلئ تمامًا بالأدرينالين الذي يبعث السعادة، إلى أن تسقط شيئًا فشيئًا، تسقط بين يدي أبيها، يعكس وجهها كل درجات البهجة، وضحكتها تغرق في ثنايا موجات صوتها الذي يصدر عن شفتيها الورديتين.
في عمر السابعة عشر هي مجرد أسيرة لأزياء الحاضر تقف بغرور أمام مرأتها مغندرة وبيدها الهاتف. هي منغمسة بهذا، عبوات طلاء الأظافر الصغيرة ذات اللون الأحمر غير اللامع، وجاكيت الدنيم المطرز، وجزمة الكاحل الجلدية، وكل شيء آخر يظهروا على صفحتها على مواقع التواصل الإجتماعي، لذا هي في العادة تتحول لشخص آخر. في الربيع، ترتدي ملابس من الدنيم مع نظارات كبيرة وفي الصيف ترتدي ملابس عتيقة، وفي الخريف ترتدي الجلد وتصبغ شعرها أسودًا وظلال عيون فحمي اللون، وفي الشتاء ترتدي كنزات واسعة مع كتاب دائما بيدها. هي منغمسة بهذا كله لأنها لا تعلم المخلوق الوحيد الذي يغدو أجمل عندما يتغير مظهرها وهي اليرقانة عندما تصبح فراشة.
في عمر السابعة والثلاثين هي تخوض رحلة الحياة وتشعر بالإرتباك فيما هي توفّق بين عملها وأسرتها وسلامتها العقلية. لكنها تكاد تنهار أمام الكلمات التي يصفعها إبنها وابنتها بها عندما يخبرانها أنها لا تظهر لهما الحب والعاطفة، لكن كيف يمكنها ذلك في حين هنالك الكثير من الأشياء التي تثير غضبها وخيبتها.
في عمر السابعة والخمسين فقدت وظيفتها وصار المصدر الوحيد لدخلها هو العمل لاثني عشرة ساعة في الليل. تغادر المنزل بعد تحضير العشاء وتعود لترى أطفالها يتناولون الإفطار. هي تسقط ويرفض أطفالها مساعدتها لأن رائحة الوجبات التي تعدها لم تعد موجودة وكذلك الحال مع صوت ضحكتها أو عناقاتها الدافئة التي تذيب قلوبهم التي تكافح الأيام الصعبة في الجامعة. لذلك هم يظنون أنها غير مهتمة.
في عمر السابعة والسبعين نسيت أخذ دوائها في الصباح وبعده بقليل تشعر أنها تغرق في المحيط الذي يزيد ظلمة أكثر فأكثر. هي الآن تخضع للجاذبية وقلبها يسيطر عليه الخوف وهي تسقط. تسقط متران تحت الأرض مع تربة خشنة تغطي جسدها وديدان الأرض والنمل يضيقون حولها بحركات احتفالية بمناسبة مرور 77 عامًا من سقوطها.