كتبت: زورايا بيرنال، اختصاصية تغذية علاجية شاملة وممرّضة مسجّل
يكمن سر الحفاظ على العلاقات الصحية سيما تلك التي تجمعنا بشريك الحياة أو أشخاصنا المفضلين، في العناية بصحة أجسامنا. ومن هذا المنطلق، نستذكر إحدى المقولات ذات الصلة بحمية الأيورفيدا حيث تنص على أن الالتزام بأسلوب حياة صحي هو الأساس لعيش حياة سعيدة والسبيل للحفاظ على علاقاتنا بالآخرين.
xx
يعد نصّ المقولة: “لا يمكننا أن نصُب من كوبٍ فارغ” بمثابة تذكير لنا جميعًا بضرورة الاهتمام بصحتنا الجسدية والعقلية والروحانية وذلك كي نكون بأفضل نسخة من أنفسنا عند تعاملنا مع الآخرين، وهذا هو السر في كَوْن الرعاية الذاتية جوهر الحياة الصحية المتوازنة والمتمثّلة في الخيارات اليومية التي نتّخذها لا سيّما حين يتعلق الأمر باتباع الحمية الغذائية.
xx
الطب الشمولي
تعتبر حمية الأيورفيدا الغذائية واحدة من أقدم الممارسات الطبية التقليدية الشاملة في العالم، وتعني باللغة السنسكريتية “علم الحياة”, وتمّ معرفة هذه الحمية لأول مرة في الهند منذ حوالي 5000 عام. ومؤخرًا، اكتسبت الأيورفيدا شعبية واسعة في العالم الغربي فهي بمثابة العِلم الشقيق لرياضة اليوغا، حيث يعمل كلاهما جنبًا إلى جنب للحفاظ على الصحة من خلال الممارسات اليومية مثل تمارين التأمل والتنفس والتغذية الواعية لنوع الجسم ووضعيات اليوغا مثل الأساناس (asanas).
xx
أما عن تجربتي الشخصية، فقد بدأت قبل بضع سنوات أثناء دراستي لتخصّص التغذية العلاجية الشاملة في إحدى جامعات كندا وإذ أعجبت حينها كثيرًا بهذه الحمية لأنها تجمع بين أسس الصحة والعافية الشاملة! ومنذ ذلك الحين، اخترت انتهاج تلك الأسس في حياتي على الصعيدين الشخصي والمهني ودمجها بمبادئ حمية الأيورفيدا.
xx
إلا أن المفاجئ بالأمر هو حقيقة استناد مبادئ العديد من أنظمة العلاج الطبيعي المألوفة الآن في العالم الغربي والشرقي إلى حمية الأيورفيدا بما في ذلك المعالجة المثلية أو الطبّ التجانسي (homeopathy) والوخز بالإبر على سبيل المثال لا الحصر.
xx
وترتكز حمية الأيورفيدا بشكل أساسي على عامل الوقاية حيث تهدف إلى تعزيز التوازن المفقود بين العقل والجسم والوعي وفقًا لنوع الجسم الذي يُدعى بـ دوشا (dosha).
xx
فبحسب مبادئ حمية الأيورفيدا، يتكوّن الجسم من خمسة عناصر أساسية: الهواء والماء والأرض والنار والفضاء والتي تُعرف باسم فاتا (Vata) وتعني الهواء أو الفضاء، وبيتا (Pitta) وتعني النار والماء، وكافا (Kapha) وتعني الماء والأرض كما هو موضح في الصورة أدناه. وترتبط هذه العناصر ارتباطًا وثيقًا بوظائف الجسم وعناصر الطبيعة؛ بحيث تؤثر بطريقة سلبية على الصحة الجسدية والعقلية في حال لم تكن موزونة. وبالتالي سينعكس ذلك على نوع العلاقات الاجتماعية مع الأشخاص في محيطنا وبالأخص شريك الحياة، لذا، فإنّ أجسامنا تفرض علينا سمات شخصياتنا وخياراتنا الغذائية وأنماطنا الحياتية.
xx
لذا، فإن وعيكم التام بنوعية أجسامكم وكيفية اهتمامكم بأنفسكم فضلًا عن قدرتكما على معاتبة بعضكما البعض في حال قصّر أحدكم في مساعدة شريككم على تحقيق العافية والتوازن بحق نفسه.
xx
لكي نعرف نوع أجسامنا أي تحديد نوع الدوشا، يمكننا إجراء اختبار سريع عبر الإنترنت لمعرفة ذلك، إذ ثمة العديد من الخيارات الإلكترونية بالإضافة إلى ميزة التحدث إلى ممارسي الأيورفيدا الموثوق بهم على مستوى العالم.
xx
تتمثّل ممارسات حمية الأيورفيدا الغذائية في مايلي:
- بدأ يومنا بالاحتياجات الجسدية وخاصة تنظيف اللسان باستخدام مكشطة اللسان المصنوعة من الفولاذ المقاومة للصدأ أو المصنوعة من البلاستيك
أو النحاس للتخلص من السموم التي تراكمت خلال النوم ليلاً. تتوفر مكشطة اللسان في الصيدليات أو يمكن شراؤها عبر الإنترنت.
- شرب من 3-4 لتر من الماء الدافئ يوميًا للتخلص من السموم من خلال تحضير إبريق من الشاي في الليلة السابقة مع إضافة الأعشاب المناسبة لنوع الجسم (الدوشا) وتغيير نوع الأعشاب كل يوم لتحفيزنا على شربه وزيادة نسبة السوائل خلال اليوم. على سبيل المثال، يُعتبر الشاي الأخضر مع القرفة مزيجًا جيدًا لتحفيز الأشخاص الذين تكون أجسامهم فاتا (Vata) وشاي الليمون بالزنجبيل مناسب للأشخاص الذي تكون أجسامهم كافا (Kapha)
- طهي وجبات صحية تحتوي على الخضروات الورقية الخضراء والحبوب والبقوليات واللحوم العضوية الخالية من الدهون والدهون الصحية مثل زيت الزيتون وزيت بذور الكتان وزبدة السمن أي الزبدة المصفاة والأڤوكادو. وبالحديث عن الطعام الموزون صحيًا، دعوني أعرفكم على طبق الأيورفيدا الكلاسيكي الذي يعزز صحة الجهاز الهضمي ويتخلص من السموم ويوازن أنواع الدوشا الثلاثة وهو طبق الكيتشاري، ويمتاز بسهولة تحضيره واحتوائه على حبوب الماش (المونج) سهلة الهضم والغنية بالبروتين كما يضم هذا الطبق تشكيلة من الخضروات الجذرية والأعشاب والتوابل، ولأن هذا الطبق يحظى بشعبية كبيرة فيمكنكم العثور على طريقة تحضيره عبر الإنترنت بكل سهولة
- يُفضل استخدام الخضروات والفاكهة حسب مواسمها عند الطهي للتأكد من أن الطعام طازج وغنيّ بالفيتامينات والطاقة الحيوية
أو طاقة الحياة التي تُحافظ على الصحة. على سبيل المثال، الفاكهة الطازجة مثل التين والتوت والبطيخ، والخضروات مثل الكرفس غنية بالفيتامينات والكهارل أي الإلكتروليتات (المعادن والأملاح الموجودة في الجسم) حيث تُحافظ على الماء داخل الجسم خلال أشهر الصيف الحارة. بينما يساعد تناول الخضروات الجذرية مثل اليقطين والشمندر والجزر على الشعور بالدّفء خلال فصلي الخريف والشتاء
- لتنشيط عملية الهضم واستساغة الطعام، يُفضّل إضافة الأعشاب والتوابل التي تحقق التوازن بين أنواع الدوشا الثلاثة: فاتا وبيتا وكافا، مثل الكمون والكزبرة والكركم والشومر. فمثلًا، يحتوي الكمون على رائحة ترابية وعطرة ولهذا يُعتبر مكونًا أساسيًا في وصفات الطعام في مطبخ الشرق الأوسط والمطبخ الهندي. يُساعد الكمون في تحسين عملية الهضم لقدرته على امتصاص المواد والعناصر الغذائية من الطعام، ويُحفّز أيضًا النار(agni) أي الوظائف الأيضيّة التي تُتنج الطاقة الحيوية لكي يستطيع الجسم القيام بوظائفه الحيوية، وتحسين التصريف اللمفاوي وتبديد الغازات. من ناحية أخرى، تُساعد الكزبرة على تقليل الحموضة في الجهاز الهضمي وتقليل الالتهابات.
- النوم الجيد هو أحد الركائز لتجديد الطاقة والصحة والعافية وفقًا لحمية الأيورفيدا، لذا فإن من أهم العوامل التي تساعد على الحصول على قسط كافٍ من النوم، هي تناول وجبة خفيفة قبل النوم بثلاث ساعات حتى لا تتداخل مع عملية التخلص من السموم في الجسم أثناء وقت النوم. على سبيل المثال، يُعد الحساء أو مرق الخضروات وجبة مُشبعة وخفيفة للخلود إلى النوم بكل سهولة
- في نهاية اليوم، يمكننا خلق جو هادئ للشعور بالاسترخاء برفقة الشريك وذلك بإغلاق جميع الأجهزة الإلكترونية وإطفاء الأضواء؛ حيث سيرسل ذلك إشارة إلى الدماغ للهدوء والبدء بإنتاج هرمون الميلاتونين أي هرمون النوم الذي يلعب دورًا حيويًا في تنظيم دورة النوم أو كما تُعرف بالساعة البيولوجية، كما يُقوّي الجسم ويُسهم في الحفاظ على الوزن وكذلك في منع الشيخوخة المبكرة كونه يعمل كمضاد فعال للأكسدة الضارة.
إنّ الاهتمام بأجسامنا الذي ينعكس بدوره على علاقاتنا مع شريك الحياة تتطلّب رفع نسبة الوعي بنوع الجسم وإدراك تفضيلاتنا وما هي ميولنا الطبيعية وذلك حتى نتمكن من تحقيق التوازن والصحة والعافية في حياتنا. لتعزيز الصحة والرضا المتبادل، ننصحكم بدمج مبادئ الأيورفيدا التي ذكرناها في روتينكم اليومي للعناية الذاتية تدريجيًا مع تعزيز قوة الإرادة والتحفيز ومساءلة بعضكما البعض عند التقصير بحق نفسيكما.
xx
مشروب الحليب بالكركم لنوم عميق!
يمكن تحضير مشروب الحليب بالكركم وشربه قبل موعد النوم بساعة وهو مشروب شائع في الطب الهندي القديم- الأيروفيدا، حيث يحتوي هذا المشروب على الكركم والأشواغاندا وهي عبارة عن أعشاب مشهورة عالميًا كوْنها تعمل كمضاد للالتهابات وتُقلّل الإجهاد والتوتر، ويمكن إعداد هذا المشروب بأي نوع من الحليب مثل الحليب النباتي أو البقري وإضافة بعض التوابل مثل القرفة التي تعمل على توازن أنواع الدوشا الثلاثة.
xx
حليب بالكركم
(تكفي هذه الكمية شخصين)
المقادير
1 ملعقة كبيرة زنجبيل مبشور
1 كوب من الحليب بالنوع الذي تفضلونه مثل حليب جوز هند
أو حليب اللوز أو الحليب البقري
1 كوب من الماء
1 ملعقة صغيرة من الكركم المطحون
1 ملعقة كبيرة من العسل أو شراب القيقب
½ ملعقة صغيرة من القرفة
½1 ملعقة صغيرة من زيت جوز الهند
½ ملعقة صغيرة من الفلفل الأسود
xx
طريقة التحضير
- نبشُر الزنجبيل ثم نعصره ونضع العصير في قدر ونستغني عن اللّب
- نُضيف باقي المكونات إلى القدر على نار متوسطة ونُسخّن المزيج لمدة تتراوح بين 3-5 دقائق دون الوصول لدرجة الغليان ونحرك المزيج باستمرار
- نسكب الخليط بحذر في مطربان (ماسون) ونغلقه بإحكام، ونرجّ المطربان بقوة لمدة 30 ثانية أو حتى تتشكل الرّغوة
- نُصفّي الحليب ثم نسكبه في أكواب وصحتين وعافية!
xx
نصيحة
للتخلص من بقع الكركم، يُفضّل تنظيف جميع الأكواب وأواني الطهي مباشرة بعد الاستخدام باستخدام صودا الخبز
xx
نصيحة
نُضيف جميع المكونات باستثناء الماء إلى المطربان، وعند التقديم، نحتاج فقط إلى إضافة الماء الساخن ورجّ المطربان وبهذا نحصل على مشروب دافئ بالحليب والكركم لنتمتع بفوائد لا تُعدّ ولا تُحصى!
xx
طبيبات وأطبّاء الأيروفيدا:
لمعرفة المزيد عن الأيروفيدا وكيف يمكن أن تساعدكم هذه الحمية على تعزيز صحتكم وعافيتكم من خلال الممارسات الطبيعية، يمكنكم استشارة هؤلاء الطبيبات والأطباء المتخصّصين في الأيروفيدا:
عادل زواتي Kimyaayurvedics.com
لمى الغول، اختصاصية تغذية أيروفيدية
الدكتورة لينا زلوم، طبيبة الأيروفيدا Ayurvedabylina.com