كتبت: هند يوسف، اختصاصيّة علم النفس السريري
xx
اضطرابات الشخصيّة هي مجموعة من الحالات الصحيّة النفسيّة التي تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على حياة الأفراد، فهي لا تقتصر على التأثير على تفكيرهم فحسب، بل تمتد لتطال سلوكهم وعواطفهم وطريقة تفاعلهم مع الآخرين.
xx
يعتبر التدخين في كثيرٍ من الأحيان مظهرًا من مظاهر اضطرابات الشخصية، ويمكن أن يكون له آثار خطيرة على صحة الفرد وعافيته، ورغم كونهما مشكلتين منفصلتين، إلا إنّ كلًا من اضطرابات الشخصيّة والتدخين يرتبطان معًا ارتباطًا وثيقًا؛ حيث تكشف الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصيّة هم أكثر عرضةً للإدمان على المواد المخدّرة، بما في ذلك التدخين.
xx
أنواع الاضطرابات الشخصيّة
اضطراب الشخصيّة الحديّة
بشكلٍ عام، ترتبط اضطرابات الشخصيّة بأنواعها المختلفة ارتباطًا وثيقًا بتعاطي التبغ؛ فعلى سبيل المثال، يوصف اضطراب الشخصيّة الحديّة بالعلاقات المتقلّبة وغير المستقرّة والتقلّبات المزاجيّة الحادة والخوف من هجر الآخرين، وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى التدخين كطريقة تساعد في التكيّف مع عدم الاستقرار العاطفي، وبالتالي فإنّه يتم استخدام السجائر للتعامل مع سلوكيّات إيذاء النفس، كما قد يتم اللجوء إلى أنواع أخرى من الإدمان وبشكل عام، يُعد الأفراد الذين يعانون من الاضطرابات الشخصيّة أكثر عرضةً للتدخين مقارنة بغيرهم
xx
اضطراب الشخصيّة النرجسيّة
يوصف هذا الاضطراب باكتساب شعور عظمة الذات، وانعدام التعاطف مع الآخرين، والحاجة الملحّة لإثبات التفوّق، وقد ينتج عنه العديد من السلوكيّات المحفوفة بالمخاطر، بما في ذلك الإكثار من التدخين؛ حيث يُنظر إلى التدخين بأنّه وسيلة تُظهر تفوّق هذه الشخصيّة على الآخرين وتعزّز الشعور بالتميّز
xx
اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة
ينتج عن هذا الاضطراب الخوف الشديد من الوحدة وفقدان دعم الآخرين، وقد يتم اللجوء إلى التدخين كمخدّر للتخفيف من مشاعر القلق والتوتّر؛ كما يوفّر التدخين شعورًا مؤقتًا بالراحة والهدوء والأمان
xx
اضطراب الشخصيّة الانطوائيّة
ينتج عن هذا الاضطراب انعدام الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية وافتقاد الرغبة بها، ويتم اللجوء إلى التدخين لتنظيم الاستجابات العاطفيّة أو الابتعاد عن المنبّهات الاجتماعيّة أو كوسيلة لإيجاد شعور بالراحة والاعتياد على البيئة
xx
اضطراب الشخصيّة الوسواسيّة القهريّة
على عكس أنواع الاضطرابات الأخرى، فإن هذا الاضطراب يقلّل من احتمالية التدخين مقارنةً بالمعدل العام، إلا إنّه يزيد من قابليّة الإصابة بأنواع أخرى من الإدمان
xx
الرابط بين اضطرابات الشخصيّة والتدخين
تشير كل هذه الاضطرابات إلى ارتباط قوي بين أنواع معينة من اضطرابات الشخصية والإدمان، بما في ذلك التدخين، كما يزيد التدخين من المخاطر الصحية للأفراد المصابين باضطرابات الشخصية، فهم أكثر عرضةً لتأثيراته السلبيّة مثل السرطان وأمراض القلب وتلف الأعضاء.
xx
على المدى البعيد
ولا تنتهي تداعيات التدخين عند هذا الحد، بل إنّه يزيد من المشاكل النفسية؛ حيث تزداد حدة أعراض بعض اضطرابات الشخصية مثل الاكتئاب والقلق، كما إنّ تداعياته على المدى الطويل، كالإدمان والمشاكل الصحيّة، تزيد من احتماليّة الإصابة باضطراب الشخصيّة أو تفاقم أعراضه الموجودة.
xx
تحدٍ مزدوج: علاج اضطرابات الشخصيّة والتدخين
يواجه علاج اضطرابات الشخصية لدى المدخنين تحدياتٍ إضافيّة؛ حيث إنّ التخلّي عن التدخين وعلاج الاضطراب النفسي في نفس الوقت قد يبدو صعبًا للكثيرين، وبالتالي فإنّ بعض مصابي اضطرابات الشخصيّة يفضّلون التوقّف عن العلاج النفسي لمواصلة التدخين، الذي يمنحهم راحةً مؤقتة.
xx
عند علاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات الشخصية والتدخين، فإنّني آخذ في الاعتبار المخاطر طويلة المدى للإقلاع عن التدخين وأجعل مرضاي يعرفونها، ويعد النهج العلاجي المتوازن الذي يهدف إلى معالجة كلتا المشكلتين الصحيتين مثاليًا ويمكن أن يمنع الآثار طويلة المدى للتدخين على المرضى؛ حيث إنّ الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الشخصية والذين يدخنون قد لا يعتبرون الإقلاع عن التدخين أولوية، وذلك لأنّ كثيرًا منهم يعانون من القلق والاكتئاب والمشاعر السلبيّة الأخرى التي يخفف منها التدخين.
xx
نهج العلاج المزدوج
للمساعدة على الإقلاع عن التدخين ومنع عودة الإدمان، غالبًا ما أستخدم العلاج السلوكي المعرفي الذي يستهدف إدمان التدخين، بشكل خاص، بالتزامن مع علاجاتٍ أخرى لاضطرابات الشخصية، وقد أضطر إلى تعديل مسار العلاج عند عدم وجود استعداد أو قدرة على التوقف عن التدخين، لتجنّب الآثار السلبية.
xx
ويمكن أن يعزّز النهج المخصص الذي يجمع بين العلاج السلوكي المعرفي لإدمان التدخين وغيره من العلاجات لاضطرابات الشخصية تحسين النتائج، ومن الضروري تحديد اضطرابات التدخين لدى الأفراد المصابين باضطرابات الشخصية لمساعدتهم على الإقلاع عنه وعلاج الإدمان لمنع المخاطر الصحية الإضافية.
xx
بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى ذلك، يتوفر لدى وزارة الصحة في الأردن ثلاث عيادات للإقلاع عن التدخين في مراكز الرعاية الصحية الأوليّة؛ حيث يوجد عيادة واحدة في كلّ من المنطقة الوسطى والشماليّة والجنوبيّة.
xx
وتقدم هذه العيادات الاستشارة والعلاج الدوائي مجانًا للأفراد الذين يرغبون في الإقلاع، هذه هي المراكز الصحية العامة الوحيدة المتاحة للعلاج، كما يوجد في مركز الحسين للسرطان عيادة أخرى للإقلاع عن التدخين تقدّم الاستشارات والعلاج الدوائي بشكل رئيسي لمرضى السرطان، بالإضافة إلى المدخنين من المجتمع، أو يمكن للشخص زيارة العيادات النفسية الخاصة للصحة العقلية والإدمان.
xx
وأخيرًا، فإنّ التدخل المبكر والعلاج المناسب ضروريان لمساعدة الأفراد في التعامل مع اضطرابات الشخصيّة والتخلّص من إدمان التبغ؛ حيث يحمل التدخين تبعاتٍ صحيّةٍ سلبيّةٍ على الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الشخصية، ويمكن أن يشكّل التوقف عن التدخين تحديًا إلى جانب علاج اضطرابات الشخصية.
xx
ومن الممكن أيضًا أن يظهر استخدام التبغ نفسه كأحد الأعراض لمختلف اضطرابات الشخصية؛ فقد يستخدم الأفراد الذين يعانون من هذه الاضطرابات التدخين كطريقة تكيّف لإدارة الضغط أو لملء الفراغ في الحياة، ونتيجةً لذلك، فإنّ معالجة السبب الجذري لعادة التدخين أمر ذو أهميةٍ بالغةٍ في علاج هذه الاضطرابات بفعالية.
xx
يمكنكم التواصل مع هند يوسف على yousefhind92@gmail.com