كتبت: رانية السعدي، اختصاصية صحة نفسية وممارسة في البرمجة اللغوية العصبية
xx
اليوم، وفي العصر الرقمي، أصبحت الأجهزة الإلكترونيّة مثل الهواتف الذكيّة والأجهزة اللوحيّة وألعاب الفيديو جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليومية، وعلى الرغم من تعدد فوائدها، إلا إنّ قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات الإلكترونيّة قد يؤثر على صحتنا الجسديّة والنفسيّة بشكل سلبيّ، وقد يزداد هذا التأثير على أطفالنا.
xx
الإدمان السهل
من المهم أن تقوم الأمهات والآباء على العثور على الطرق التي تشجّع أطفالنا على الحصول على قسط من الراحة من الأجهزة الإلكترونيّة والقيام بأنشطة أخرى، ولكي نتمكن من القيام بذلك، نحتاج أولًا إلى معرفة الأسباب التي تجعل أطفالنا مدمنين على شاشاتهم.
xx
أسباب الإدمان الإلكتروني
1. تمنح الشاشات أطفالنا تحفيزًا مستمرًا وتغذية راجعة، ويعد أحد الأسباب الرئيسيّة لإدمان الشاشات هو الإشباع أو الإرضاء الفوري الذي توفره الأجهزة الإلكترونية؛ ففي كل مرة يحصل فيها أطفالنا على إعجاب أو مشاركة أو فوز في لعبة، فإنّ الدماغ يفرز هرمون الدوبامين، وهو هرمون الشعور بالرضا، وكلما زاد حصول أطفالنا على ذلك، زاد احتياجه إليه وزادت رغبته في الشعور بالرضا
xx
2. يعد الإنترنت مساحةً خاليةً من الأحكام، أي أنّه وعلى الرغم من وجود بعض العواقب عبر الإنترنت عند ارتكاب أي خطأ، فإنّه يمكننا تجاوزها من خلال إعادة المحاولة أو تجربة المستوى مرة أخرى أو الاختباء خلف اسم مستخدم؛ لذلك لا أحد يعرف من يقوم بهذه العمليّة، ويسمح هذا التخفي لأطفالنا بالمخاطرة دون القلق بشأن الفشل أو إطلاق الأحكام عليهم من قبل الآخرين
xx
3. لا يوجد فشل عبر الإنترنت، ببساطة فإنّه لا يمكن الخسارة في حال مواصلة اللعب؛ وبالتالي فإنّه مضمون ولا يؤدي إلى القلق ولا يسبب أي عواقب، ولا يمكن لأطفالنا العثور على ذلك في تحديّات الحياة الواقعيّة؛ حيث إنّ عقولنا ستبعدنا عن المخاطرة لحمايتهم
xx
4. الحاجة إلى الانتماء؛ حيث إننا جميعًا نولد بفطرة البحث عن العلاقات وتجنّب الرفض، ومن خلال الإنترنت، فإنّ تحقيق هذه الرغبة يكون سهلًا مقارنةً بالحياة الواقعية، فلا يحتاج أطفالنا إلى بذل مجهود كبير لمحاولة خلق روابط، وإنما كلّ ما عليه هو العثور على لعبة يحبها وممارستها، وكلما زاد عدد الإعجابات والمعجبين والتفاعل الذي يحصل عليه، كلما شعر بأنه محبوب ومقبول ومنتمٍ إلى جماعة، الأمر الذي يمنحه الشعور بتحقيق الذات والقبول الاجتماعي
xx
5. وسائل التواصل الاجتماعي تخلق شعورًا بالخوف من تفويت شيء مهم؛ حيث يشعر الأفراد بالحاجة المستمرة إلى التحقق من أجهزتهم للبقاء على اطلاع على آخر الأخبار والأحداث، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حاجة قهريّة للبقاء على اتصال دائم والخوف من الشعور بالتهميش
xx
6. الهروب من الواقع؛ حيث يمكن لأطفالنا التحكم بالأمور على الإنترنت، وتتيح الشاشات الفرصة للهروب من الصراعات أو المواقف غير المريحة، وبالتالي، فإنّها تصبح آليّةً للتكيّف مع الواقع، وتتيح الهروب من التعامل مع المشاعر أو المواقف الصعبة، ففي الوقت الذي يشعر أطفالنا فيه بالضغط، فإنّه ببساطة يدخل إلى العالم الافتراضي الذي اختاره لنفسه
xx
تحطيم سحر الشاشة
نعلم جميعًا أن إدمان الشاشات قد يكون مشكلة معقدة لها أسباب متعددة، ولا توجد حلول سحريّة تناسب الجميع. لكن الخطوة الأولى لمواجهة هذه المشكلة تكمن في فهم الأسباب الجذريّة، ومن ثم العمل مع أطفالنا لتطوير عادات رقميّة صحيّة، ومن الاقتراحات التي تساعد في ذلك:
خلق بيئة إيجابيّة: تساعد البيئة الإيجابيّة في تعزيز السلوكيّات الإيجابية، ولحل مشكلة إدمان الشاشات، فإنّ ذلك قد يتضمن توفير بيئة خالية من التكنولوجيا في المنزل وتشجيع أطفالنا على ممارسة أنشطة بديلة ممتعة
xx
التواصل الصريح: يعد التواصل هو المفتاح لبناء علاقات صحية، وهذا يتطلب منّا إجراء محادثات صريحة وصادقة مع أطفالنا حول أهميّة تقليل وقت الشاشة وفوائد الأنشطة البديلة
xx
التعزيز الإيجابي: يحتاج أطفالنا للشعور بالقبول والاهتمام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الثناء على الإنجازات التي يقومون بها خارج العالم الافتراضي؛ لذا علينا مساعدتهم في التعلم من أخطائهم في الحياة الواقعية بدلًا من التركيز على تصرفاتهم الخاطئة عبر الإنترنت
xx
تعزيز الثقة بالنفس: غالبًا ما يكون انخفاض الثقة بالنفس سببًا رئيسيًا للعديد من المشكلات السلوكية، بما في ذلك الإدمان، ولمواجهة ذلك فإنّ علينا تعزيز ثقة أطفالنا بالتركيز على نقاط قوتهم وتشجيعهم على تجربة أشياء جديدة والاعتراف بمجهودهم
xx
التعاطف مع الذات: علينا معاملة أنفسنا وأطفالنا باللطف والتفهم، بدلًا من الانتقاد القاسي؛ حيث يعد تقليل وقت الشاشة عملية صعبة، وبالتالي فإنّ التحلي بالصبر واللطف مع أنفسنا ومع أطفالنا خلال العمل على تطوير عادات صحيّة سيساعدنا في التخلص من هذه العادة
xx
تحرير أطفالنا من قيود الشاشة
يعد إبعاد أطفالنا عن الأجهزة الإلكترونية تحدٍ حقيقي، لكن من المهم إيجاد طرق تشجعهم على ممارسة أنشطة أخرى، ويعتمد ذلك على تلبية احتياجاتهم والقدوة الحسنة، كما يمكننا مساعدة أطفالنا على تطوير عادات رقمية صحية وتحسين صحتهم البدنية والعقلية، علينا دومًا أن نتذكر أن الأمر يتعلق بإيجاد توازن يناسب العائلة والقدرة على التكيّف عند الحاجة لذلك، وعندما نتعاون معهم، فإنّه يمكننا خلق حياة عائلية أكثر إمتاعًا وإشباعًا.
xx
يمكنكم التواصل مع رانيا السعدي على raniasaadi75@gmail.com