سيمفونية الراحة

كتبت: هند يوسف، اختصاصيّة علم النفس السريري

في عالم أصبح فيه الضغوط والتوتر رفيقين غير مرحّب بهما للكثيرين، برزت القوة العلاجيّة للموسيقى كمصدر للراحة؛ فبعيدًا عن الاستماع إلى الموسيقى فقط، يمكن أن يكون للمشاركة النشطة في العزف على آلة موسيقيّة والمشاركة في العلاج بالموسيقى تأثيرات عميقة على الصحة العقلية.

من تعزيز المزاج إلى تحسين الوظائف الإدراكيّة، يوفر خلق الموسيقى هروبًا علاجيًا يتردد صداه في أعماق الروح، يمكننا أن نبدأ هذا الشهر في ذلك إذا لم نقم بتجربته سابقًا.

اللحن العلاجي

لطالما تم الاحتفاء بالموسيقى لقدرتها على لمس المشاعر وإثارة الذكريات، ويأخذ العزف على آلة موسيقيّة هذا الاتصال إلى مستوى آخر من خلال السماح لنا بالتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا العميقة عبر الصوت.

يحفّز إنتاج الموسيقى الدماغ بطريقة تعزز الاسترخاء وتقلل من إنتاج هرمونات التوتر، كما يؤدي الانخراط في صنع الموسيقى إلى إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة، ويمكن أن يؤدي هذا التفاعل الكيميائي إلى رفع المزاج والشعور بالإنجاز، مما يواجه مشاعر التوتر والقلق.

يتطلب التركيز المطلوب للعزف على آلة موسيقية أو المشاركة في العلاج بالموسيقى تحويل الانتباه بعيدًا عن الهموم، مما يوفر استراحة ذهنية من ضغوط الحياة اليومية.

فوائد الشفاء النفسي

تعلم العزف على آلة موسيقية يتطلب إتقان أنماط معقدة وتنسيقًا بين الذاكرة والحركة، وهي عبارة عن تحديات عقلية تحفّز مناطق مختلفة من الدماغ، مما يعزز الوظائف الإدراكية.

علاوةً على ذلك، فإن المشاركة في جلسات العلاج بالموسيقى التي تتضمن الإيقاع واللحن يمكن أن تحسّن الذاكرة ومدى الانتباه، وهي مهارات غالبًا ما تتأثر بحالات مثل القلق والاكتئاب.

بالنسبة للكثيرين، لا يعكس التواصل اللفظي المشاعر بشكل كافٍ، وحينها تصبح الموسيقى أداة قوية للتعبير عن هذه المشاعر التي تعجز الكلمات عن نقلها، ويمكن أن يكون هذا التحرر العاطفي مفيدًا بشكل خاص في جلسات العلاج بالموسيقى؛ حيث يوفر للأفراد وسيلةً منظّمة للتواصل ومعالجة مشاعرهم في بيئة آمنة وداعمة.

بناء الثقة بالنفس وتقدير الذات 

يتطلّب إتقان العزف على آلة موسيقيّة بذل الوقت والتفاني في ذلك، لكنّ التقدم المحرز يمكن أن يكون دافعًا كبيرًا للثقة، ومع مرور الوقت وملاحظة تحسن المهارات، ستنمو الثقة بالنفس، هذا الشعور الجديد بالإنجاز يتجاوز المجال الموسيقي ليؤثر إيجابيًّا على جوانب مختلفة من الحياة، وهو مبدأ يسعى العلاج بالموسيقى لتعزيزه.

الترابط

للموسيقى قدرة على جمع الناس معًا؛ حيث إنّ العزف في بيئة جماعيّة، سواءً في فرقة موسيقيّة أو أوركسترا، أو جلسة علاج بالموسيقى، يعزّز شعور الانتماء والألفة، كما أنّ هذه الروابط يمكن أن تخفف من مشاعر العزلة، وتوفّر شبكة دعم حيوية للحفاظ على الصحة النفسية بحال جيّد.

آلية التأقلم 

الحياة مليئة بالتحديات، ووجود آليات تأقلم صحيّة أمر ضروري، كما أنّ الانخراط في الموسيقى والمشاركة في العلاج بالموسيقى يوفر لنا منفذًا للتعبير العاطفي في الأوقات الصعبة؛ حيث إنها تعد ملاذًا إبداعيًّا يمكن للأفراد من خلاله توجيه مشاعرهم بشكل بنّاء، مما يساعدهم على التعامل مع التحديات بمرونة أكبر.

كنز مخفي 

إن إمكانية الشفاء من خلال العزف على الموسيقى والمشاركة في العلاج بالموسيقى هي كنز غالبًا ما يتم تجاهله، سواءً كان ذلك عزف الجيتار أو النقر على مفاتيح البيانو أو الانخراط في تمارين إيقاعية في جلسة علاج بالموسيقى؛ حيث يمكن أن يكون لهذه الأنشطة تأثير تحولي على الرفاهية العقلية.

إن خلق الألحان والمشاركة في تدخلات علاجية منظمة لا يرفع فقط من روحك المعنوية، بل يقوي أيضًا قدرة العقل على التغلب على التحديات. لذا، إذا كنت تبحث عن طريق متناغم لتحسين صحتك النفسية، ربما حان الوقت لاختيار آلة موسيقية أو الانضمام إلى جلسة علاج بالموسيقى ودع سمفونيتك الداخلية تحلق!

لا يقتصر إنتاج الألحان الموسيقيّة والمشاركة في التدخلات العلاجية المنظمة على رفع الروح المعنويّة فحسب، بل يقوّي أيضًا قدرة العقل على التغلب على التحديات؛ لذا، في حال البحث عن مسار متناغم لتحسين الصحة العقلية، فقد حان الوقت لأخذ آلة موسيقية أو الانضمام إلى جلسة علاج بالموسيقى والسماح للسمفونيّة الداخليّة بالتحليق!

يمكنكم التواصل مع هند يوسف على yousefhind92@gmail.com

Nakahat Ailiyeh