كتب: الدكتور سعيد قباعة، كاتب طبي وخبير في الصحة العامة
أيار هو شهر مزدحم بالأنشطة، ولكن من المهم أن نتذكر أنه أيضًا شهر التوعية بالربو.
الربو هو حالة رئويّة شائعة تؤثر على ملايين الأشخاص من جميع الأعمار حول العالم، ويمكن أن تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح. ومع ذلك، فإن معرفة الحقائق الرئيسيّة حول الربو والاستراتيجيّات المختلفة لإدارته بفعاليّة ستساعد في تحقيق سيطرة أفضل على هذه الحالة، مما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة.
الربو: ما هو؟
الربو هو حالة تنفسيّة مزمنة يمكن أن تصيب أي شخص في أي عمر، وعادةً ما يبدأ في مرحلة الطفولة؛ حيث يتسبب في ضيق والتهاب وحساسيّة الممرات الهوائية في الرئتين استجابةً لمحفّزات معينة، مما يؤدي إلى صعوبات في التنفس.
قد يتغلب بعض الأطفال على الربو في سن مبكرة، لكن للأسف، قد يستمر لدى البعض الآخر حتى مرحلة البلوغ، ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد حتى الآن علاج نهائي للربو، ولكن هناك العديد من العلاجات المتاحة التي يمكن أن تساعد في السيطرة على الأعراض وتقليل تأثيره على الحياة.
الأعراض الرئيسية
الصفير، أي صدور صوت صفير أثناء التنفس
ضيق التنفس
انقباض الصدر
السعال
في بعض الأحيان، قد تزداد هذه الأعراض سوءًا بشكل مؤقت، ويُعرف ذلك بـ “نوبة الربو”؛ حيث لا تبدأ الأعراض بالضرورة بشكل مفاجئ، ولكنها قد تتفاقم تدريجيًّا على مدى ساعات أو حتى لفترة أطول.
كما أن الأعراض قد تختلف في شدتها وتكرارها من شخص لآخر، بدءًا من نوبات خفيفة متفرقة إلى نوبات شديدة ومستدامة قد تكون مهددة للحياة وتتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
الأسباب والمحفّزات
قد تحدث أعراض الربو عشوائيًّا دون سبب واضح، أو نتيجة التعرض لمحفّز معين، وعلى الرغم من أن السبب الدقيق للربو لا يزال غير معروفٍ، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تحفّز ظهور الأعراض المرتبطة بالحالة.
تشمل المحفّزات الشائعة للربو:
الحساسية تجاه الغبار أو الحيوانات أو حبوب اللقاح
التعرض للدخان أو التلوث
ممارسة الرياضة
التهابات الجهاز التنفسي مثل الزكام أو الإنفلونزا
بعض الأدوية، وخصوصًا المسكنات المضادة للالتهاب مثل الأيبوبروفين أو الأسبرين
المشاعر القوية، بما في ذلك التوتر أو الضحك
تغيرات الطقس، بما في ذلك الهواء البارد والرياح والحرارة والرطوبة
لهذا السبب، من المهم للغاية التعرف على محفّزات الربو المحددة وتجنبها للمساعدة في الحفاظ على السيطرة على الأعراض.
العلاج
لا يوجد علاج نهائي للربو حاليًّا، ومع ذلك، هناك العديد من الخيارات المتاحة للتحكم في الأعراض، مما يسمح للمصابين به بالعيش حياة طبيعية ونشطة.
تصنيف العلاجات الأساسية للربو:
1. بخاخ الإغاثة السريعة: يُستخدم عند الحاجة لتوفير تخفيف سريع للأعراض
2. بخاخ الوقاية: يُستخدم إذا استمرت الأعراض رغم الاستخدام المتكرر لبخاخ الإغاثة. يُؤخذ عادةً بشكلٍ يوميّ لمنع ظهور الأعراض
3. البخاخ المركب: يحتوي على مزيج من نوعين مختلفين من الأدوية في بخاخ واحد، ويُستخدم يوميًا للمساعدة في منع حدوث الأعراض وتوفير راحة طويلة الأمد
4. الأدوية الفموية: قد تكون ضرورية في الحالات التي تكون فيها الأعراض شديدة ولا تستجيب للعلاج بالبخاخات. وتشمل أدوية مثل “مضادات مستقبلات الليكوترين” والثيوفيلين وأقراص الستيرويدات التي قد تُوصف إذا لم تكن العلاجات الأخرى فعالة. يتم تناولها بانتظام وغالبًا لفترات طويلة، كما قد يتم إعطاء أقراص الستيرويدات كعلاج طارئ لنوبة الربو.
وينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن الاستخدام طويل الأمد أو المتكرر لأقراص الستيرويدات قد يسبب آثارًا جانبية، مما يجعل من الضروري مراقبة المريض بانتظام أثناء تناول هذا العلاج
5. علاجات أخرى: نادرًا ما تُستخدم، ولكن قد تكون ضرورية في الحالات التي تفشل فيها جميع العلاجات الأخرى. وتشمل الحقن بـ “العلاجات البيولوجية” التي تُعطى على فترات محددة ويمكن أن تساعد بشكل كبير في السيطرة على الأعراض. هذا النوع من العلاج قد لا يكون مناسبًا لجميع مرضى الربو، ولا يمكن وصفه إلا من قبل أخصائي الربو.
هناك خيار علاجي نادر للربو يُعرف باسم “العلاج الحراري للقصبات الهوائية”، والذي يتضمن استخدام حرارة خفيفة لتقليل حجم العضلات الملساء في الممرات الهوائية في الرئتين، وهي العضلات التي تتقلص وتسبب أعراض الربو.
هذا العلاج غير شائع وعادةً ما يكون مخصصًا للحالات الشديدة التي لم تُظهر تحسنًا ملحوظًا مع جميع العلاجات الأخرى
6. العلاج التكميلي: هناك أشكال أخرى من العلاج قد تكون مفيدة للربو، مثل تمارين التنفس المحددة، بما في ذلك “طريقة بابوورث” و”طريقة بوتيكو”.
ورغم وجود بعض الأدلة التي تدعم فعالية هذه التقنيات في تحسين أعراض الربو وتقليل الحاجة إلى أدوية الإغاثة لدى بعض الأشخاص، إلا أنه لا ينبغي استخدامها كبديل عن العلاج الطبي الموصوف
استراتيجيات رئيسية للسيطرة على الربو
الهدف الأساسي للأشخاص المصابين بالربو هو تحقيق أفضل سيطرة على الأعراض، مما يعني تقليل حدّتها والحفاظ على وظائف الرئة الطبيعيّة والشعور بالراحة والطاقة والمشاركة الكاملة في الأنشطة اليومية دون قيود، كما أن السيطرة الجيدة على الربو تقلل من خطر تفاقم الحالة أو الحاجة إلى العلاج في المستشفى.
تشمل الاستراتيجيات الأساسية للسيطرة على الربو ما يلي:
1. التثقيف: المعرفة قوة عندما يتعلق الأمر بالإدارة الفعالة للربو؛ حيث ينبغي أن يكون لدى المرضى وأفراد أسرهم ومقدمي الرعاية الصحية فهم شامل لهذه الحالة التنفسيّة، بما في ذلك المحفّزات المرتبطة بها والأدوية وخطط التعامل مع الأعراض
2. الالتزام بالعلاج: من الضروري اتباع نظام العلاج بدقة تامة كما هو موصى به من قبل مقدم الرعاية الصحية لتحقيق سيطرة فعالة على الأعراض ومنع تفاقم الربو
3. تجنب المحفّزات: يساعد تحديد وتجنب محفّزات الربو في تقليل حدة الأعراض وتكرارها، إضافة إلى تحسين السيطرة على المرض على المدى الطويل
4. المراقبة المنتظمة: يُعد التعامل الاستباقي مع الربو أمرًا ضروريًّا للتحكم في الأعراض والوقاية من المضاعفات.
يتضمن ذلك المراقبة المستمرة لأعراض الربو، وقياس ذروة تدفق الهواء، وهو اختبار بسيط يعكس وظائف الرئة باستخدام جهاز قياس ذروة التدفق لمعرفة سرعة إخراج الهواء من الرئتين، وتسجيل استخدام الأدوية.
يساعد ذلك في متابعة تطور الحالة وإجراء التعديلات اللازمة على العلاج، كما تلعب المراقبة دورًا أساسيًّا في نجاح العلاج وتحديد مدى السيطرة على أعراض الربو
أسلوب حياة صحي
يعد اتباع أسلوب حياة صحي أمرًا مهمًا لتحسين وظائف الرئة وتقليل أعراض الربو.
يشمل ذلك ممارسة التمارين البدنية بانتظام وتناول نظام غذائي متوازن والحفاظ على ترطيب الجسم والنوم الجيد وتطبيق تقنيات فعالة لإدارة التوتر. جميع هذه العوامل تدعم صحة الجهاز التنفسي وتحسن السيطرة على الربو.
خطة التعامل مع الربو
يساعد إنشاء خطة شخصية للتعامل مع الربو، بالتعاون مع مقدمي الرعاية الصحية، في تمكين الأفراد من إدارة حالتهم بفعالية في المنزل.
تتضمن هذه الخطة عادةً الخطوات الواجب اتباعها عند تفاقم الأعراض أو حدوث نوبة ربو، بالإضافة إلى أي تعديلات ضرورية على الأدوية، ومعلومات حول متى يجب طلب المساعدة الطبية.
يعد شهر التوعية بالربو تذكيرًا مهمًا بأهمية تحقيق سيطرة جيدة على الربو والتمكين من أجل تحسين الصحة العامة والرفاهية، ومن خلال تطبيق التدابير الأساسية، يمكن للأشخاص المصابين بالربو تحقيق إدارة مثالية لأعراضهم، مما يسمح لهم بالاستمتاع بحياة أفضل.
يمكنكم التواصل مع الدكتور سعيد قباعة على: said.qabbaah@gmail.com