الوقت يمر بسرعة! احجز مكانك اليوم – لا تفوت الفرصة!

ملتقى الصحة والعافية للنساء ليوم واحد – عجلون (10 أيار 2025)

يوم
ساعة
دقيقة
ثانية

تغريد حكمت: من التعليم إلى منصة القضاء

بقلم: مجلة نكهات عائليّة
تصوير: أنستازيا القيسي
تنسيق سارة سامان وخلود أبو عيشة

من كان ليتخيّل أن مُعلّمة فنون واللغة الإنجليزية في إحدى مدارس الزرقاء عام 1973، ستُصبح يومًا ما من أكثر القضاة تأثيرًا ليس فقط في الأردن، وإنّما في خارجه أيضًا؟

تزوّجت تغريد حكمت وهي في 22 من عمرها من العقيد زيد الحباشنة، وتقول وعيناها تلمعان بالفخر:“حصلت على بكالوريوس في القانون، ثم ماجستير في القانون الدولي وكل ذلك وأنا أُربي أطفالي الثلاثة وأُدرّس لمدة تسع سنوات”.

شغف يقود المسيرة

في عام 1982، بدأت حكمت رحلة استمرت 14 عامًا مدفوعة بشغفها بالقانون، كرّست خلالها نفسها ليلًا ونهارًا حتى أصبحت أول امرأة تشغل منصباً قضائيًّا في الأردن عام 1996.

“لم يكن هذا المنصب سهلًا”، تتذكر حكمت:“كنت تحت دائرة الضوء والتدقيق المستمر ليروا إن كنت سأنجح أم لا”. وبضحكة واثقة تضيف:“أرادوا أن يروا ما إذا كانت النساء قادرات على تولي مثل هذه المناصب”.

في ذلك الوقت، كان المجال القانوني عالمًا ذكوريًا بامتياز، وشبهته القاضي حكمت بغابة للرجال، لا تكاد تتسع للنساء،“كنت أُعامل كامرأة تحتاج إلى المساعدة وأنني في مكان لا ينبغي أن أتواجد فيه”أما اليوم، فالأردن يفتخر بوجود 300 امرأة في منصب قاضي، ويعد ذلك شاهدًا على أن مثابرة امرأة واحدة مهّدت الطريق للكثيرات.

الاعتراف الدولي

عام 2003، فوجئت حكمت بترشيحها للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهو منصب نادر لا يُطرح إلا كل 50 عامًا، وقد واجه ترشيحها معارضة من 12 أكاديميًا ومحاميًا  ودبلوماسيًّا أردنيًا، ليس فقط رجالًا، وإنّما نساءً أيضًا.

أُحيل القرار النهائي لجلالة الملك عبدالله الثاني. تقول حكمت:“لطالما عُرف جلالته ببعد النظر، وقد قرر أن يتم تعييني لتغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية في أذهان الغرب”.

وبعد أسبوعين، وصلها ترشيح رسمي للعمل في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. تقول بابتسامة:“كانوا يظنون أنني سأرفض المنصب ولكنني فاجأتهم”

تطلّب المنصب أن تخوض حكمت حملةً انتخابية مع حوالي 90 دولة في الأمم المتحدة في نيويورك للحصول على أصوات تلك الدول، مدافعةً عن أحقيّتها به في نيويورك، تقول:“كان من الصعب جدًا أن أسوّق لنفسي وأقنعهم بالتصويت لي”، وتتذكّر ضاحكة “كثير من الدول لم تكن تعرف حتى أين تقع الأردن على الخريطة!”

لكنها لم تستسلم، ونالت 152 صوتًا، متفوّقةً بفارق صوتين فقط عن المنافس الأقرب لها، وهو إيطالي الجنسيّة، لتدخل التاريخ كواحدةً من 18 قاضيًا انتخبتهم الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأول امرأة عربيّة مسلمة تشغل منصب قاضي في المحكمة الجنائية الدولية.

الرحلة إلى إفريقيا

أمضت حكمت نحو عقد من الزمن في أروشا، برفقة زوجها المتقاعد، وفي ذاك الحين كانت ابنتاها وابنها قد كبروا وتزوّجوا، مما سهّل الانتقال؛ حيث كان مقر المحكمة في أروشا، وهي موقع محايد في شمال تنزانيا.

تستذكر القاضي حكمت انطباعها الأول من الطائرة قائلة: “رأيت الثلوج على قمم  كليمنجارو وجبل ميرو المحيطة، لم أصدق أنني في أفريقيا”. سرعان ما عشقت جمال أروشا الطبيعي وبيئتها النظيفة ومناخها اللطيف.“لم نمرض ولو مرة واحدة”، تتذكر بحنين سنوات إقامتها هناك.

فرص غير متوقعة

فتح هذا الدور التاريخي أمامها أبوابًا لم تكن تحلم بها، وتقول:“لم أتخيّل أن معلمة إنجليزي من الزرقاء ستُدعى يومًا لإلقاء محاضرة في جامعة هارفارد!”

دعيت أولًا إلى كلية القانون في  جامعة هارفارد لإلقاء محاضرة عن أخلاقيات القضاء، ثم أصبحت محاضرة زائرة في أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية في نيويورك، على مدى عامين، في موضوعات مثل العدالة الدولية بين الجنسين والإسلام وسيادة القانون.

تقول:“ستطعنا أنا وزوجي تكوين علاقات شخصية مع كبار المسؤولين في الأكاديمية، كانوا يدعوننا إلى بيوتهم ونتشارك الوجبات سويًا”.

نجاح رغم كل التحديات

خلال مسيرتها المليئة بالإنجازات، واجهت حكمت تحديات شخصية: إصابتها بالسرطان مرتين، الأولى عام 2008، والثانية عام 2010، ورغم ذلك، لم تتخلّ يومًا عن التزامها بعملها في المحكمة الجنائيّة الدوليّة لرواندا.

“في المرة الأولى التي شُخصت فيها، كنت أعود إلى عمان كل 21 يومًا لتلقي  جلسة علاج كيميائي وأعود إلى المحكمة عبر أربع طائرات (عمان، القاهرة، نيروبي، كليمنجارو) واحتجت 11 جلسة”، تتذكر حكمت وعيناها تبرقان بعزيمة هادئة، “لم أُعلم أحدًا أنني كنت أتلقى العلاج حتى لا يؤثر ذلك على مسار قضية كنت اتابعها منذ أربع سنوات ضد القادة  العسكريين الروانديين اللذين أمروا بالإبادة الجماعية”، وفي عام 2010، عاد المرض، لكنها بقيت كما عهدناها: “لم أعطه أي اهتمام”، تقول بثقة.

الحياة العائلية

تُرجع حكمت الفضل في تكوين شخصيتها ومسيرتها لعائلتها؛ فقد كان والدها حاكمًا إداريًّا ومديرًا للشرطة، و أشقائها الإثنان محاميان، وشقيقها الراحل طاهر شغل مناصب وزارية عدة، بالإضافة إلى رئاسة المحكمة الدستورية التي أسسها.

أما والدتها التركية، فكانت مصدر إلهام كبير؛ حيث كانت مُحبة للغة العربية الفصحى؛ حيث ألفت كتاباً (65 عامًا في حياة امرأة أردنية) وكانت ركيزةً أساسيّة في تربية حكمت.

ومع هذا الإرث، ليس غريبًا أن تكون القاضي حكمت كاتبة مبدعة أيضًا؛ إذ ألّفت ستة كتب تتناول سيرتها الذاتية ومحاضراتها في هارفارد وأبرز القضايا التاريخيّة.

في منزلها، تجد السعادة في الطهي، خاصة وصفات والدتها التركية التقليدية، وقد ربّت ثلاثة أطفال بكل شغف، ومازالت تقدم اعتزازها وتقديرها لزوجها الذي كان دومًا سندها ومصدر قوّتها، واليوم هي جدة فخورة لخمسة أحفاد وحفيدات.

وأثناء جلوسنا معًا على فنجان شاي وقطعة “تريليتشا” التركية، يتضح جليًا خلف أناقتها و تسريحتها الأنثوية وعيونها المكحلتان ، امرأة صلبة من الحديد.

سيادة القانون

عندما يتعلق الأمر بالعمل، تكون القاضي حكمت قمة في الجدية، مدفوعة بنفس الشغف الذي حدد مسيرتها المهنية.

في عام 2012 تقاعدت من المحكمة الجنائية الدولية، وعُينت في مجلس الأعيان الأردني في العام ذاته، وبقيت فيه ثمانية أعوام.

واليوم، ومنذ أكثر من أربع سنوات، تواصل خدمتها للوطن كقاضي في المحكمة الدستورية الأردنية.

في مكتبها المنزلي، المُزين بالأوسمة والجوائز والتذكارات من أنحاء العالم، لا تزال حكمت تشعّ طاقة وشغفًا.

ومن بين جميع المقتنيات، يلفت الانتباه تمثال برونزي لإمرأة جميلة “ثيميس” رمز القانون والعدالة عند الإغريق؛ تحمل في يدها اليمنى ميزان العدالة والتوازن وباليد الأخرى سيفًا ولكن لماذا معصومة العينين؟ تقول حكمت:“هذا التمثال  المُفضّل لدي لأنه يجسد كيف أن  المرأة ترى الأمور بما تشعر بقلبها وما تسمع بأذنها، فلا ترى بعينيها وبذلك لا تفرق بين صغير وكبير، ولا غني ولا فقير، فدورها محايد”

تكمل قائلةً إذا شعرت المرأة إن الشخص أخطاء تعاقبه بالسيف، رمز القضاء والقوة؛ حيث إنّ الأفعى السامة تحت قدمها ترمز إلى تنفيذ العقاب.

كلمات ختامية

بعد ساعتين من الحديث عن أكثر من خمسة عقود من الإنجازات، من الواضح أن هذه المرأة ذات الذكاء والتركيز الحاد لا تزال مُلهمة كما كانت دائمًا.

وعند سؤالها عن سر نجاحها، تُجيب:“إيمان قوي بالله، وزوج داعم، وشغف بالعمل، وتحديد أهداف جديدة دائمًا، وتحدي النفس بالإضافة إلى المرونة والحفاظ على ذهن هادئ بطاقة إيجابية”.

وتختم بحكمة عربية تُلخص روحها الجريئة: “من يركب البحر لا يخشى الغرق”.

تغريد حكمت في سطور
أول امرأة قاضي في الأردن (1996)
أول امرأة عربية مسلمة في القضاء الجنائي الدولي (2012-2003)
عضو في مجلس الأعيان (2013-2020)
عضو المحكمة الدستورية الأردنية (2020 حتى الآن)
رشحت لجائزة نوبل للسلام ( 2005)

Nakahat Ailiyeh