حماية الموروث الثقافي للمملكة

0
1901

عالمة آثار اردنية تكشف الثمن الباهظ للتاريخ الضائع

تحدثنا عالمة الآثار الأردنية – الأمريكية

نهاد شبار عن الموروث الثقافي للأردن الذي لا يقدر بثمن.

تخبرنا شبار أنه عند نقل الأشياء القديمة الأثرية من مكانها – حيث صنعت و استخدمت لأول مرة  أو بقيت مخبأة لآلاف السنين – تتغير القصص التي تحملها بلا رجعة، يعد هذا بالنسبة لعلماء الآثار أشبه بحل لعبة تركيب .

تقول: “قد تقوم بإعادة جمع القصة و لكنها ستكون قصة مختلفة تماماً حيث أن هناك فرصاً عديدة للتبديل و تغيير القصة”. من خلال عملها كمعلمة موروث ثقافي، تقوم نهاد شبار بتعليم الطلاب حول العالم عن ضرورة العمل الجماعي لحماية الآثار التاريخية ..

تعمل حالياً مع متحف السمثسونيان الأمريكي(أكبر متحف و مجمع علمي وبحثي في العالم) لتطوير برنامج يهدف إلى جمع طلاب الجامعات الأردنية و الأمريكية في غرفة صفية افتراضية لمناقشة قضية الموروث الثقافي المسروق.

القصص المخبأة في هذه الآثار هي التي تمنحها القيمة. “ السياق هو ما يمنح الأشياء أهميتها” تقول شبار. و تشرح أن ضياع السياق يمنع وصول القصة التي تحملها القطع الأثرية.

و تقول “ نحن لا نستنتج القصة من القطعة الأثرية” و لكن من صلتها بالقطع الأخرى حيث تم العثور عليها. تساعدنا هذه القصص على فهم ما كنا عليه و كيف أصبحنا ما نحن عليه الآن . و هي أساس المستقبل.

التاريخ محيط بنا

يوجد تاريخ في كل مكان في المملكة الأردنية الهاشمية. و بحسب معلمة الموروث الثقافي فإن معظم القطع الأثرية ليست محفوظة في سياقها الأصلي أو في المتاحف

تتذكر شبار كيف تمت معاملة القطع الأثرية في قرية مجاورة لإربد حيث ترعرعت و تقول “لم نعرف قيمتها الحقيقية “. “ هناك الكثير من الآثار في الأردن حيث أنه لا يوجد ما يكفي من الموارد المالية أو البشرية لاكتشافها، أينما حفرت في الأردن قد تجد قطعاً أثرية”.

كان هناك كهف روماني أسفل منزل عائلتها و استخدمت والدتها في المنزل مدقة و هاون رومانيين لطحن اللحم و البصل لصنع الكبة و تقول أن سكان القرية غالباً ما عثروا على قطع من أوعية أثرية  في أراضيهم .

تقول أن هذه القطع كانت محط إعجاب و تستخدم أحياناً في الحياة اليومية. و تشرح أن صانع الأحذية في القرية كان يستخدم قطع نقد عثماني كأثقال لميزانه و كان الناس يعرضون المصابيح القديمة في بيوتهم و لكنهم لم يدركوا أهمية هذه القطع الأثرية.القليل من سكان القرية فهموا أهمية هذه القطع الأثرية.

و تكمل أن أحداً لم يحاول بيع هذه القطع و لكن استمروا بالحفاظ عليها و لم يتلفوها و تلاحظ أن طريقة التفكير هذه بدأت تتغير.

بيع الماضي

في السنوات الماضية دمرت مجموعات المتطرفين كالدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) العديد من مواقع الآثار بالفؤوس و المتفجرات. فرغت المجموعة الحاقدة غضبها على مواقع قيمة كمدينتي الحضر و النمرود في العراق و مدينة تدمر في سوريا و القيام بسرقة و بيع القطع الأثرية في السوق السوداء.

وفي الوقت نفسه، يتزايد الاهتمام بسوق القطع الأثرية الدولي مما يعني أن هذه القطع التي كان لها قيمتها المعنوية و الثقافية أصبحت سلعاً تباع من أجل المال.

تتذكر شبار من أيام عملها كمديرة  لمتحف جامعة اليرموك للموروث الأردني “ كنت اتلقى اتصالات أسبوعية من أشخاص جالبين لي قطعاً مختلفة لمعرفة قيمتها”.

يتم تهريب بعض القطع عبر الحدود الأردنية و البعض الآخر يستخرج من المواقع الأثرية بشكل غير قانوني و بهذه الحالات لا تعلم دائرة الآثار بفقدان القطعة حيث أنه لا يوجد سجل يدل عليها ،

قد يعمل التعليم على إيقاف هذا حسب ما تقول شبار و تشرح ضرورة توضيح أثر التجارة غير القانونية على كل من قد يفكر بممارستها. و تؤكد “ بيع هذه القطع و مساعدة داعش هو جريمة”. و بعيداً عن الخسائر البشرية، تضيف شبار أن بيع القطع الأثرية يجرد الثقافات من موروثها ويقللّ

قيمتها التاريخية.

النار و الكبريت

وجد علماء الآثار في موقع آثار العصر البرونزي في باب الذراع على الساحل الجنوبي من البحرالميت –وهو موقع محتمل لمدينتين مذكورتين في العهد القديم سدوم و عاموراء—سراديب موتى بقبور أقيمت حول عمود مركزي. وجدث بقايا آثار بشرية تعود إلى ما قبل 5000 عام و قد وضعت على بساط و حولها أوعية محكمة الإغلاق من الطعام.

“عند دراسة هذه القبور و الكهوف ستفهم القصة” تقول شبار و تلاحظ أن كل التفاصيل تقدم دلائل و علامات من الماضي بدءاً من نوع الأطعمة في الأوعية و شكل القبور و قربها من المساكن و غيرها من المواقع. تم عرض اثنتين من المقابر العمودية من منطقة باب الذراع  في متحف السمثسونيان.

تصف شبار الإعجاب و الانبهار الذي تولده هذه الآثار في نفوس الناس في الدول المختلفة في الخارج وهو الذي يذكر الأردنيين بما يملكوه عوضاً عن ما يفتقدونه و تلاحظ الفخر في نفوس الأردنيين عند رؤيتهم للانبهار الذي يولده موروثهم الثقافي.

و تضيف ومع هذا فإن دائرة الآثار العامة  الأردنية تهمل الموقع و أن الحفر متوقف و مع مرور السنوات تضيع بعض الأشياء كلما امتد التطور إلى الموقع.

قد يعيد الاهتمام المحلي و التمويل الدولي التاريخ إلى الحياة عن طريق تمكين إعادة الحفر و السماح للمزيد بالاكتشافات التي توسع إدراكنا للماضي و تغير رؤيتنا للحاضر.

تؤكد شبار أن القطع الأثرية التي تم العثور عليها في باب الذراع و المواقع المشابهة هي جزء من تاريخ الأردن و لا تباع أو تشترى بأي ثمنٍ كان. و تشير إلى أن المجتمع الدولي له دور في الحفاظ على الآثار.

“لا يمكننا بيع ماضينا” تقول شبار “بدون ماضٍ لا وجود للمستقبل”.